للمبدأ ، حتى في مواقع التفاصيل الصغيرة للفساد ، ليبقى المبدأ متحركا مع التفاصيل ، حتى لا يفقد روحه ، ويبتعد عن هدفه.
(فَكَذَّبُوهُ) لأنهم لا يريدون للرسالة أن تغير واقعهم القائم على الامتيازات الطبقية والاستغلال الاقتصادي والانحراف الروحي عن خط الله ، ولهذا فإن المسألة عندهم لا ترتكز على أساس القناعات الفكرية للرسالة من حيث قبولهم بها أو رفضهم لها ، بل ترتكز على أساس المصالح الذاتية التي يخضع لها الموقف وتنطلق بها الحركة. ولذلك فقد كان تكذيبهم لشعيب تكذيبا طبقيا لا فكريا ، فكان جزاؤهم من الله العذاب في الدنيا قبل الآخرة ، لأنهم لم يرتبطوا به وبرسله من قريب أو من بعيد. (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) في ما أوقعه الله بهم من الزلزال الذي لا يسمح لهم بالتقاط الأنفاس ، حتى أصابهم الانهيار والاختناق من جرّاء ذلك ، (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي قاعدين من دون حراك ، وهو كناية عن الموت. وربما كانت الرجفة المذكورة في هذه الآية ناشئة من الصيحة التي زلزلت كيانهم فأسكنت قلوبهم عن الحركة ، وذلك من خلال الآية الكريمة (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) [هود : ٩٤] لأن الصيحة المدوّية قد تكون سببا في الرجفة التي تؤدي إلى الموت.
(وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) كيف أوقعنا الهلاك بهم فبادوا.
(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) في ما أثاره في عقولهم من تحسين القبيح وتقبيح الحسن ، فلم يملكوا توازن النظرة إلى الأشياء ، وخيّل إليهم أن القوّة تعني الحق ، وأن الضعف يعني الباطل ، وأن مواقع القوّة البدنية والاقتصادية تمنح الأقوياء الحق في السيطرة على الضعفاء ، والاستكبار على الرسالة وأصحابها. وهكذا ابتعد بهم الشيطان في وسوسته وتثبيطه وكيده ومكره وحبائله ، عن الله وعن رسله ، في ما دعوا إليه ، وفي ما جاهدوا من