(وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) الذين يبتعدون عن الفهم السطحي الساذج للقضايا ، وينفذون إلى عمقها ، فيفهمون منها ما لا يفهمه العامة من الناس ، الذين يأخذون منها شيئا ويأخذ أهل العلم منها أشياء كثيرة.
وهذه حقيقة بلاغيّة من أساليب التعبير الفني في اللغة العربية ، فإن كل شخص يأخذ من المعنى الخصائص التي تتصل بدائرة ثقافته ، ولهذا فإن الناس يختلفون في فهم النص الأدبي عند ما يحلّلونه ويدرسونه ، وفي إدراك أبعاده الحقيقية التي قد تأخذ في بعض الحالات بعدا أكثر مما يقصده صاحبه في إدراكه الشعوري ، باعتبار أن طبيعة اللفظ تتسع لذلك ، وأنّ الحسّ الداخلي اللّاشعوري ، قد يوحي إليه عند ما يتكلم بإيحاءات يختزنها اللفظ ، ولا يلتفت إليها الشعور الطبيعيّ.
(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) فلكل واحدة منها قانون يحكم وجوده وحركته ، فليس هناك مظهر كونيّ إلا وفي طبيعته قانون طبيعي يرتبط بقوانين الله الأخرى في الظواهر الأخرى ، بحيث يتكامل الوجود في حركته من خلالها ، في ما يسمى بالسنن الإلهية الكونية في الوجود ، وإذا كان الحق هو أساس الوجود التكويني للسماوات والأرض ، وإذا كان الله هو خالق ذلك كله ، فلا بد للإنسان من أن يتخذه وليا دون غيره لأن كل من عداه فهو مخلوق له ، خاضع لتدبيره ، ليس له من الأمر إلا ما قضاه الله ، وليس له من الخير إلا ما أعطاه. ولا بد من أن تتحرك الحياة على هذا الأساس في دائرة الحق ، لينسجم الكون في نظامه القائم على الحق مع الإنسان في خطه المستقيم المتحرك بالحق ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) الذين يدركون معانيها ، ويلتفتون إلى إيحاءاتها ، فينتفعون بها ، ويتخذونها برنامجا لحركتهم في العقيدة والحياة.
* * *