يتحقق من خلالها ، لأنه هو الذي يحرّك في روحه عوامل الخير وإيحاءاته ، ويثير فيه الوعي للموقع الذي ينفتح فيه على ربّه ، ويحوّله إلى إنسان يرصد كل ما يحبه الله ويرضاه ليفعله ، وكل ما يبغضه الله ويسخطه ليتركه.
وربما فسّر ذلك بأن الذي تشتمل عليه الصلاة أكبر في تأثيره في النفس من ذلك الأثر ، لأنه هو الذي يوحي به وبغيره من نتائج الخير.
ولعل المراد من ذلك ، أن علاقة الإنسان بالله التي يمثلها ذكر الله ، في حضوره في نفسه وفي لسانه وحياته ، الذي يقف به عند حدود ما أحله الله وحرّمه في ما يختفي وراء رفضه للفحشاء والمنكر ، وما يوحي به من محبة لله وخوف منه ، هي أعظم من كل شيء ، وأكبر من كل عمل. لأن كل الأمور تلتقي عند الله ، فهو الغاية في كل عمل وكل علاقة وغاية. فقد جاء الإسلام ليفتح قلب الإنسان على الله ، لتكون الحياة كلها والدين كله لله ، على غرار قوله تعالى في آية أخرى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢] فإن النتائج المباشرة في القضايا الروحية العبادية لا تمثل شيئا أمام النتيجة العميقة غير المباشرة ، وهي علاقته بالله ، وحضوره في نفسه. (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) من أعمالكم الخيّرة والشرّيرة ، فعليكم أن تراقبوا أنفسكم لتعرفوا المعنى الكامن في الصلاة ، وفي الدين كله ، وفي علاقة الإنسان بالله ، لتكونوا أكثر وعيا للهدف عند إقامة الصّلاة ، فلا تكون إقامتها جهدا ضائعا وعبئا لا معنى له ، كما ورد في حديث عن الإمام علي (ع): «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء ، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم» (١).
* * *
__________________
(١) ابن أبي طالب ، علي ، نهج البلاغة ، دار التعارف للمطبوعات ، ط : ١ ، ١٤١٠ ه ، ١٩٩٠ م ، قصار الحكم : ١٤٥ ، ص : ٣٧٤.