غياب أيّ دلائل واقعية واضحة على الموضوع ، لا سيّما أن القضية لم تكن واردة في ظروف قوّة الفرس وضعف الروم ، بل هي من قضايا النبوءات المستقبلية التي يختزنها الغيب المجهول الذي لا يمكن لأحد أن يعرفه ذاتيا.
الثانية : الطبيعة المتحدّية التي لا تترك الموقف في دائرة الانفعالات المثيرة التي يطلقها الآخرون في مواجهة المؤمنين من أجل إضعاف روحيتهم المعنوية ، بل تعمل على إعطاء المسألة قدرا كبيرا من القوّة التي تدفع الموقف إلى نوع من التوازن ، في إبقاء الوضع في دائرة إثارة قلق الآخرين حول الموضوع في المستقبل ، في مقابل القلق الذي عاشه المؤمنون في الحاضر.
وهناك نقطة مهمّة في المضمون الرسالي الذي يعبّر عن موقف سياسيّ مميّز ، وهي انفتاح الإسلام على الديانات الأخرى من خلال القواسم المشتركة التي تربطه بها ، مما يجعله ينظر إلى مواقعها في ساحة النصر أو الهزيمة أمام الجماعات الملحدة ، نظرة جدّية مليئة بالاهتمام الشعوري من الناحية الإيجابية التي تفرح للنصر ، أو من الناحية السلبية التي تتألّم للهزيمة ، من حيث إخلاصه لقضية التوحيد المشتركة ، ومن حيث انعكاس ذلك على مواقعه في ساحة الصراع. كما أن الآخرين الذين يملكون الموقف المضاد ، ينظرون إلى أيّ موقع من مواقع الإيمان بالنظرة نفسها التي ينظرون بها إلى الموقع الآخر.
وقد نستوحي من ذلك ، أن مواطن اللقاء بالآخرين ، حتى مع غير أهل الديانات ، قد تترك الأثر نفسه ، وتفرض الموقف ذاته ، لأن القاعدة التي تحكم الموقف ، هي النظرة الإيجابية الإسلامية إلى مواقع اللقاء مع الآخرين في حركة العقيدة ، وفي علاقات الحياة ، في الجوّ الدفاعيّ عن موقع الإسلام والمسلمين في معركة التحديات المباشرة وغير المباشرة.
* * *