سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) ، قالوا : يا أبا بكر إن صاحبك يقول : إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين ، قال : صدق. قالوا : هل لك إلى أن نقامرك؟ فبايعوه على أربعة قلائص إلى سبع سنين ، فمضى سبع السنين ولم يكن شيء. ففرح المشركون بذلك ، وشقّ على المسلمين ، وذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما بضع سنين عندكم؟ قالوا : دون العشر. قال : اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل. قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بذلك (١).
وقد نلاحظ على الرواية أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن عارفا بالتوقيت الدقيق للمدة ، مما قد يضعف الموقف ، وأن أبا بكر قد أعطى توقيت السبع من دون أساس ، لأن كلمة البضع قد تمتد في مفهومها المبهم المردّد بين الثلاثة والعشرة ، وأنه إذا كان قد شاور النبي في ذلك ، فعندها ستصبح صدقية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في الميزان ، وهذا أمر غير وارد أصلا ، لأنه سيخدش أصل نبوّته ، إذ لا يعقل أن يخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خبرا من أخبار الغيب من عنده ، بل لا بد من أن يتلقاه من عالم الغيب الذي لا يطلع على علمه أحدا إلا من شاء ، أي الله سبحانه وتعالى. ولكن ذلك لا يبعد المسألة عن جوّ الآية التي تدلّ على أن الحادثة كانت منطلقا للتحدي القرشي ، باعتبار أن قوّة المحور الشركيّ ينعكس إيجابا على قوّة كل مواقعه وطروحاته ، كما أن ضعف المحور الإيماني ينعكس سلبا على ضعف كل مواقعه وطروحاته.
وقد كانت الآية في موقع رد التحدي الواقعي الحاضر ، بالتحدي المستقبلي الذي يحمل دلالتين :
الأولى : الطبيعة الغيبيّة الحاسمة التي تؤكد صدق القرآن في وحيه ، في
__________________
(١) السيوطي ، عبد الرحمن جلال الدين ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، دار الفكر ، ١٩٩٣ م ، ١٤١٤ ه ، ج : ٦ ، ص : ٤٧٩.