الباسقة ، وبيده حربة تلوح لمعانا ، فرفع يده اليمنى فضرب بطن الحمارة ، وقال : يا حليمة مرّي فقد أمرني الرحمن أن أدفع عنك اليوم ، فجعلت أسير حتى نزلنا على فرسخين من مكة ، فلما أصبحت دخلت فإذا بعبد المطلب وجمته (١) تضرب منكبيه ، فقال لي : من أنت؟
فقلت : امرأة من بني سعد.
قال : ما اسمك؟
قلت : حليمة.
فضحك ، وقال : بخ بخ حلم وسعد ، وقال : هل لك أن ترضعي غلاما صغيرا يتيما تسعدين به؟
وكأن الله (٢) قذف في قلبي أن قولي نعم.
فأخذته حتى ركبت أتاني ، وحملت النبي صلىاللهعليهوآله وآله وسلّم بين يديّ ، وكنت أنظر إلى الأتان فسجدت ثلاث سجدات نحو الكعبة ، ورفعت رأسها إلى السماء ، ومرت تشق دواب القوم ، فلم أكن أنزل منزلا إلّا أنبت الله فيه عشبا ، وأثمر الله لنا ولمواشينا وأغنامنا.
فما زلنا نغرف البركات عندنا وفي بيتنا حتى كنا نفيض على قومنا ويعيشون في أكنافنا ، فلما ترعرع كان يخرج وينظر إلى الصبيان يلعبون فيجتنبهم (٣).
فقال لي يوما : ما لي لا أرى إخوتي بالنهار؟
قلت : فدتك نفسي يرعون أغنامنا (٤).
فقال : ابعثي بي غدا معهم.
فلما أصبح دهنته وكحلته وقمّصته ، وعمدت إلى جزعة يمانية علقتها في عنقه من العين ، وخرج مع إخوته.
__________________
(١) والجمة : مجتمع شعر الرأس.
(٢) في (ب) : فكأن الله.
(٣) في (أ، ج) : فيحتنيهم.
(٤) في (ب ، ج) : يرعون أغناما لنا.