وقال عتبة بن ربيعة : يا معشر الأوس والخزرج ، لسنا نحب أن ينالكم على أيدينا أمر تكرهونه ، وهذه أيام شريفة ، وقد رأينا أن نعرض عليكم أمرا.
فقالوا : ما هو يا أبا الوليد؟
قال : تتركون هذا الرجل عندنا وتنصرفون ، على أن نعطيكم عليه عهدا لا نؤذيه ولا أحدا ممن آمن به ، ولا نمنعه أن يصير إليكم ، ولكن نجعل بيننا وبينكم ثلاثة أشهر ، فإن رأى محمد بعدها اللحوق بكم لم نمنعه.
[خطبة رسول الله (ص) بعيد بيعة العقبة الثانية] (١)
فتكلم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحمد الله وأثنى عليه وقرأ آيات من الأنعام ، ثم أقبل على الأوس والخزرج ، وقال : «إنكم تكلمتم بكلام أرضيتم الله به ، وقد سمعت مقالة القوم ، فإن أرادوا خيرا فالحمد لله على ذلك ، وإلا فالله لهم بالمرصاد (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ ...) الآية [النحل : ٢٦] ، وإني أراهم طلبوا منكم أجلا وما صبرت عليه من أمرهم إلى الآن أكثر من هذا الأجل ، وقد أذنت لكم بالانصراف إلى بلدكم ، فانصرفوا راشدين جزاكم الله عن نبيكم خيرا».
فعند ذلك ارتحلوا إلى المدينة (٢) ، ورجعت قريش إلى منازلها.
وجعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فجعلوا يخرجون واحدا بعد واحد والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مقيم بمكة (٣).
__________________
(١) انظر السيرة الحلبية (٢ / ١٦).
(٢) في (ب ، ج) : فعندها ارتحلوا إلى المدينة.
(٣) روي أنه مكث صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد الحج «العقبة الثانية» بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، ثم إن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ... إلخ. انظر دلائل النبوة للبيهقي (٢ / ٤٦٥) وما بعدها ، والبداية والنهاية (٣ / ١٦٨) وما بعدها.