قال أبو جعفر وأبو الطفيل (١) : وضعوا في كل مجنبة (٢) مائتي مصحف «وفي القلب مائة مصحف» (٣) ، فكان جميعها خمسمائة مصحف ، ثم نادى (٤) : هذا كتاب الله بيننا وبينكم ، فأقبل الأشتر على فرس كميت ، قد وضع مغفرة على قربوس السرج يقول : اصبروا يا معشر المؤمنين قد حمي الوطيس واشتد القتال (٥) ، قال نصر في حديث عمر بن سعد : فلما رفع أهل الشام المصاحف قال علي عليهالسلام : أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله ، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ، صحبتهم صغارا ورجالا ، فكانوا أشر صغار وشر كبار (٦) ، ورجال ، وما رفعوها إلّا خديعة.
فجاءه من أصحابه قدر عشرين ألفا مقنعين بالحديد ، سالّي سيوفهم على عواتقهم ، قد اسودّت جباههم من أثر السجود (٧) ، فقالوا : يا علي أجب القوم إلى كتاب الله أو نقتلك كما قتلنا ابن عفان (٨) ، وابعث إلى الأشتر فيأتيك ، فقال (٩) الأشتر : أمهلوني فواق ناقة فقد أحسست بالظفر ، فقالوا له : تحب أنك ظفرت ويقتل أمير المؤمنين أو يسلم إلى عدوه ، فأقبل حتى انتهى إليهم فصاح يا أهل الذل والوهن أحين علوتم فظنوا أنكم قاهرون رفعوا المصاحف؟! حدثوني عنكم ، فقد قتل أماثلكم ، متى كنتم محقين أحين قتل خياركم فأنتم الآن
__________________
(١) هو : محمد بن علي الشعبي ، انظر كتاب موقعة صفين ص (١٥٦ ، ١٦٧ ، ٢٠٤ ، ٢٣٧ ، ٣١٣ ، ٤٧٨ ، ٤٧٩ ، ٥٠٠ ، ٥٠٤). أما أبو الطفيل فهو عامر بن واثلة ـ بالثاء المثلثة ـ ابن عبد الله بت عمرو بن جحش الليثي ، ولد عام أحد ورأى الرسول وروى عن أبي بكر فمن بعده ، وعمر إلى أن مات سنة (١١٠ ه) ، وهو آخر من مات من الصحابة ، وقيل : توفي سنة (١٠٠ ه) ، كان محبا لعلي عليهالسلام ، وكان من أصحابه في مشاهده ، انظر : الاستيعاب (٢ / ٣٤٧ ت ١٣٥٢) ، الإصابة (ت ٤٤٥٤) ، أسد الغابة (ت ٢٧٤٧) ، الثقات (٣ / ٢٩١) ، الأعلام (٣ / ٢٥٥) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٦٧).
(٢) بكسر النون المشددة ، ميمنة الجيش وميسرته.
(٣) ساقط في (أ).
(٤) في (أ) : ثم نادوا.
(٥) انظر : موقعة صفين (ص ٤٧٨ ـ ٤٧٩) ، وشرح النهج (١ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤).
(٦) في (أ) : فكانوا شر صغار وشر كبار ، وفي وقعة صفين : فكانوا شرّا أطفال وشر رجال.
(٧) انظر : وقعة صفين ص (٤٨٩) وما بعدها.
(٨) في (ب ، ج) : عثمان بن عفان.
(٩) نهاية الصفحة [١٦١ ـ أ].