فقال : يا أمير المؤمنين إن شئت أن تجعلني حكما أو ثانيا أو ثالثا فإنه لا يعقد عقدة إلّا حللتها ، ولن (١) يحل إلّا عقدت فأبى الناس ذلك ، ثم إن أبا موسى وعمرو بن العاص أخذا على علي عليهالسلام ومعاوية عهد الله بالرضى بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن على الحكمين أن يحكما بكتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوآله فإن لم يفعلا برئت الأمة من حكمهما ، وللحكمين أن ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق والشام لا يحضرهما فيه إلّا من أحبا عن ملأ منهما وتراض. والناس آمنون على أنفسهم وأهاليهم وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل (٢) والسلاح موضوع ، والسبيل مخلاة (٣) ، وكان الكتاب في صفر والأجل الذي يلتقي فيه إليه الحكمان شهر رمضان.
ثم إن الأشعث خرج بالكتاب يقرؤه على الناس فرضي به أهل الشام ، ثم مرّ برايات عنزة ، وكان منهم مع علي عليهالسلام أربعة آلاف مجفف (٤) ، فلما قرأه عليهم قال معدان وجور ـ أخوان ـ : لا حكم إلّا لله فهما أول من حكّم ، ثم حملا على أهل الشام ، ثم مرّ به على مراد فقال صالح بن شقيق :
ما لعليّ في الدماء قد حكم |
|
لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم |
لا حكم إلّا لله ورسوله.
وقال بنو راسب كذلك ، وكذلك رجل من تميم ، وآخر يقال له : عروة بن أذيّة حتى قالوا : يحكمون الرجال (٥)؟! وقالوا لعلي : ارجع وتب كما رجعنا وتبنا وإلّا برئنا منك فإنا لسنا نرضى بما في الصحيفة ، ولا نرى إلّا قتالهم.
__________________
(١) في (أ) : ولا.
(٢) في (ب ، ج) : إلى انتهاء مدة الأجل.
(٣) انظر وقعة صفين ص (٥٠٤) وما بعدها.
(٤) المجفف : لا بس التجفاف ، وأصله ما يخلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراحة.
(٥) وفي وقعة صفين (ثم مر على رايات بني تميم فقرأها عليهم فقال رجل منهم : لا حكم إلا لله ، يقضي بالحق ، وهو خير الفاصلين. فقال رجل منهم لآخر : أما هذا فقد طعن طعنة نافذة ، وخرج عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي فقال : (أتحكمون الرجال في أمر الله؟ لا حكم إلا لله). وبنو تميم : قبيلة كبيرة تفرقت إلى فرق عديدة. وهذه القبيلة هي التي اشتركت في قتل حجر بن عدي ، وقاتلت الحسين ، وشيعته ، وقتلت منهم سبعة عشر رأسا ، انظر : معجم قبائل العرب لكحالة (١ / ١٢٥ ـ ١٣٣).