قال : فتشاغل والله الرشيد بأكله عن الأطعمة كلها ، وأكل ما كان في الجام أجمع ، حتى لقد رأيته يمسح بلقمته بصلا قد لصق بجانب الجام فيأكله ، ثم أقبل عليّ ، وقال : يا مسرور أحضرني الساعة مائة خلعة من خاص ثيابي في مائة منديل (١) ، ولتكن من أصناف الثياب كلها من ثيابي المقطعة المخيطة ، وائتني بمائة وصيف ، فأعجلت ذلك عليه.
قال : ليحمل كل وصيف منديلا وائتي بها يحيى ، وقل له أطعمتنا من طعامك ، ونكسوك من كسوتنا.
قال : فإن أبى أن يقبل منها شيئا فاعرضها عليه منديلا منديلا وثوبا ثوبا.
قال : فمضيت بها إليه وأبلغته الرسالة.
فقال يحيى : قل لأمير المؤمنين (٢) ، هذا من لباس أهل العافية ، ولست من أهلها ، فليس بي إليها حاجة فاردده إلى موضعه.
قلت : فإنه قد أحب أن تنظر إلى هذه الثياب.
قال : اصنع ما بدا لك.
قال : فجعلت أعرضها عليه ثوبا ثوبا ، فما ينظر إليها ولا يحفل بها حتى فرغت منها.
فأقبل علي ، فقال : يا أبا هاشم أرى أمير المؤمنين قد ذكرني ، فإن رأيت أن تخبره بما أنا فيه من الضيق ، وتسأله الصفح والتفضل فافعل.
فقلت له : لا ولا كرامة لك ، لست لذلك بأهل مع خروجك على أمير المؤمنين ، وتمنيك ما ليس لك ، ورجعت إلى الرشيد فخبرته بعرضي الثياب عليه ، وبما قال لي.
قال : فرآها كلها؟
قلت : نعم. فبكى حتى رأيت الدموع تنحدر على خديه.
__________________
(١) نهاية الصفحة [٢٩٧ ـ أ].
(٢) في (أ) : قل له يا أمير المؤمنين.