قلت : لبيك جعلت فداك.
قال : إن لصاحبك هذا قبلنا إرادة ، وهذه أمانة الله بيني وبينك علي أن تكتم على هذه القرطاس (١) حتى يمضي إرادته فينا ، فإذا كان ذلك كذلك (٢) فناولها إياه.
قال : فأخذتها منه فإذا قرطاس قدر إصبع مختومة.
ثم قال : حرجت عليك بوقوفك بين يدي الله تعالى لما كتمتها عليّ إلى ذلك الوقت.
قال : فكتمتها وأحرزتها.
قال : فما مضى لذلك أيام حتى رفعت جنازة من الدار ، وقيل : جنازة يحيى بن عبد الله ، فلما (٣) فرغ من دفنها حملت القرطاس (٤) إليه وأخبرته الخبر ففكها ، فإذا فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم. يا هارون المستعدي قد تقدم ، والخصم في الأثر ، والقاضي لا يحتاج إلى بينة.
فبكى حتى بل طرف ثوبه (٥) ، ثم قال لي : أناولتنيها في حياته.
فقلت له : إنه حرج عليّ بالعظيم من الأيمان.
قال زيد بن الحسين أبو أحمد : حدثت صالح بن هامان (٦) بهذا الحديث كاتب عبد الله بن طاهر ، فقال لي : رفعت الجنازة يا أبا أحمد لا والله ما كانت جنازة يحيى بن عبد الله.
فقلت : فكيف ذلك؟
قال : لما قدمنا مع المأمون بعد إذ أمر بخراب الخلد والقرار (٧) قصري أم جعفر فوكلت
__________________
(١) في (أ) : القرطاسة.
(٢) ساقط في (أ).
(٣) نهاية الصفحة [٣٠٠ ـ أ].
(٤) في (أ) : القرطاسة.
(٥) في (د ، ج ، ب) : ذيله.
(٦) في (أ) : صالح بن هان. وصالح بن برهان هو كاتب عبد الله بن طاهر.
(٧) الخلد هو قصر بناه المنصور ببغداد بعد فراغه من مدينته على شاطئ دجلة ، وذلك في سنة (١٥٩ ه) ، انظر : معجم البلدان (٢ / ٣٨٢). والقرار : قصر من قصور بني العباس بقرب الصراة النهر الذي يتشعب من الفرات ويجري إلى بغداد. انظر الروض المعطار (٣٥٧).