ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري (١). ما لقيت من هذه الأمّة من الفرقة وطاعة أئمة ... (٢)
إلى آخر شكوى الإمام في هذه الخطبة التي يصرّح فيها بأنّه لم ينجح في إرجاع الأمّة الإسلامية إلى سنّة نبيّها ، وتجرّع في سبيل ذلك الغصص حتى تمنّى الموت وقال : ما يحبس أشقاكم أن يجيء فيقتلني. اللهم إنّي قد سئمتهم وسئموني فأرحهم منّي ، وأرحني منهم (٣).
وقال : متى يبعث أشقاها؟!
قال ذلك ، لأنّ رسول الله كان قد قال له : يا عليّ «أتدري من أشقى الأوّلين والآخرين؟» قال قلت : الله ورسوله أعلم قال : «من يخضب هذه من هذه ـ يعني لحيته من هامته» (٤).
ولمّا أراح ابن ملجم الإمام عليّا وتغلّب على الحكم معاوية ؛ أعاد إلى الأمّة جميع سنن الخلفاء الّتي ناهضها الإمام علي ، وأضاف إلى ذلك إعادته الأعراف القبليّة الجاهليّة ، وزاد في الطين بلّة بما فعل من وضعه جماعة من الصحابة والتابعين ليرووا عن رسول الله (ص) أحاديث في تأييد سياسته كما أشرنا إليه في ما سبق ، وكان يحدوه إلى ذلك ـ بالإضافة إلى ما كان يروم من تثبيت الحكم في عقبه ـ عداؤه لبني هاشم. كما يتضح ذلك ممّا رواه الزبير بن بكار في «الموفقيات» ، عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال :
دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدّث معه ، ثمّ ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتما ، فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لأمر حدث فينا ، فقلت : ما لي أراك مغتمّا منذ الليلة؟ فقال : يا بنيّ ، جئت من أكفر الناس وأخبثهم. قلت : وما ذاك؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سنّا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه؟ فقال : هيهات هيهات!
__________________
(١) راجع فصل في أوليات عمر من تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٣٦.
(٢) روضة الكافي ٥٨ ـ ٦٣.
(٣) البحار ٤٢ / ١٩٦.
(٤) البحار ٤٢ / ١٩٥.