و «تنظرون إلى ربكم» (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ولم يجيء في موضع واحد ترون ثواب ربكم ، فيحمل عليه ما خرج عن نظائره.
ونظير ذلك اطراد قوله : (وَنادَيْناهُ) (مريم : ٥٢) (يُنادِيهِمْ) (القصص : ٦٢) (وَناداهُما رَبُّهُما وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) (القصص : ٤٦) ، (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ) (النازعات : ١٦) ونظائرها. ولم يجيء في موضع واحد أمرنا من يناديهم ، ولا ناداه ملك ، فتأويله بذلك عين المحال.
ونظير ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول» (١) في نحو ثلاثين حديثا (٢). كلها مصرحة بإضافة النزول في الرب تعالى ، ولم يجيء موضع واحد بقوله : ينزل ملك ربنا ، حتى يحمل ما خرج عن نظائره عليه.
وإذا تأملت نصوص الصفات التي لا تسمح الجهمية بتسميتها نصوصا ، وإذا احترموها قالوا : ظواهر سمعية ، وقد عارضها القواطع العقلية ، وجدتها كلها من هذا الباب.
ومما يقتضي منه العجب أن كلام شيوخهم وتصنيفهم عندهم نص في مرادهم لا يحتمل التأويل ، وكلام الموافقين عندهم نص لا يجوز تأويله ، حتى إذا جاءوا إلى كلام الله ورسوله وقفوه على التأويل.
القسم الثالث : الخطاب بالمجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر ، فهذا أيضا لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي يبينه ، وقد يكون بيانه معه ، وقد يكون بيانه منفصلا عنه.
والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة التأويل أن يكون له عدة معان وليس معه ما يبين مراد المتكلم ، فهذا التأويل فيه مجال واسع ، وليس في كلام الله ورسوله منه شيء من الجمل المركبة ، وإن وقع في الحروف المفتتح بها لسور بل إذا تأمل من بصره الله تعالى طريقة القرآن والسنة وجدها متضمنه لدفع ما يوهمه الكلام من خلاف ظاهره ، وهذا موضع لطيف جدا في فهم القرآن نشير إلى بعضه.
__________________
(١) تقدم تخريجه وهو في «الصحيحين» وغيرهما.
(٢) وقد ذكرها المصنف بالتفصيل في «اجتماع الجيوش» انظره بتحقيقنا طبعة نزار الباز مكة المكرمة.