فمن ذلك قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (النساء : ٦٤) رفع سبحانه توهم المجاز في تكليمه لكليمه بالمصدر المؤكد الذي لا يشك عربي القلب واللسان أن المراد به إثبات تلك الحقيقة كما تقول العرب : مات موتا ونزل نزولا ، ونظائره.
ونظيره التأكيد بالنفس والعين وكل وأجمع ، والتأكيد بقوله حقا ونظائره ومن ذلك قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة : ١) فلا يشك صحيح الفهم البته في هذا الخطاب أنه نص صريح لا يحتمل التأويل بوجه في إثبات صفة السمع للرب تعالى حقيقة وأنه بنفسه يسمع.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (الأعراف : ٤٢) فرفع توهم السامع أن المكلف به عمل جميع الصالحات المقدورة والتجوز عنها يجوزه أصحاب تكليف ما لا يطاق رفع هذا التوهم بجملة اعترض بها بين المبتدأ وخبره تزيل الأشكال.
ونظيره (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (الأنعام : ١٥٢) ومن ذلك قوله تعالى : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء : ٨٤). فلما أمره بالقتال وأخبره أنه لا يكلف بغيره ، بل إنما يكلف بنفسه أتبعه بقوله (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) لئلا يتوهم سامع أنه وإن لم يكلف بهم فإنه يهملهم ويتركهم.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور : ٢١) فتأمل كم في هذا الكلام من رفع إيهام ، منها قوله : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) لئلا يتوهم أن الاتباع في نسب أو تربية أو حرية أو رق أو غير ذلك ، ومنها قوله : (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) لرفع توهم أن الآباء تحط إلى درجة الأبناء ليحصل الإلحاق والتبعية. فأزال هذا الوهم بقوله : (وَما