وإنما أراد به دواء آخر مما يمكن أن يدل عليه ذلك باستعارة بعيدة. فأزال الدواء الأول من ذلك المركب الأعظم وجعل بدله الدواء الّذي ظن أنه قصده الطبيب ، وقال للناس : هذا هو الذي قصده الطبيب الأول فاستعمل الناس ذلك الدواء المركب على الوجه الذي تأوله عليه ذلك المتأول ، ففسدت به أمزجة كثيرة من الناس ، فجاء آخرون فشعروا بإفساد أمزجة الناس من ذلك الدواء المركب فراموا إصلاحه بأن أبدلوا بعض أدويته بدواء آخر غير الدواء الأول ، فعرض للناس نوع من المرض غير النوع الأول. فجاء ثالث فتأول في أدوية ذلك المركب غير التأويل الأول والثاني ، فعرض للناس نوع ثالث من المرض غير النوعين المتقدمين. فجاء متأول رابع فتأول دواء آخر غير الأدوية المتقدمة فعرض للناس نوع رابع من الأمراض غير الأمراض المتقدمة ، فلما طال الزمان بهذا الدواء المركب الأعظم وسلط الناس التأويل على أدويته وغيرها وبدلوها ، عرض للناس أمراض شتى حتى فسدت المنفعة المقصودة بذلك الدواء المركب في حق أكثر الناس.
وهذه هى حال الفرقة الحادثة في الشريعة مع الشريعة. وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تأويلا غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى ، وزعمت أنه الذي قصده صاحب الشرع ، حتّى تمزق الشرع كل ممزق وبعد عن موضوعه الأول.
ولما علم صاحب الشرع صلىاللهعليهوسلم أن هذا سيعرض في شريعته قال : «ستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة» (١).
__________________
(١) (حسن الإسناد وهو صحيح لغيره) ورد هذا الحديث من عدة طرق فقد أخرجه أبو داود (٤٥٩٧) ، والإمام أحمد (٤ / ١٠٢) ، والدارمي (٢ / ٢٤١) ، والحاكم (١ / ١٢٨) ، والآجرى في «الشريعة» (١٨) ، الإلكائى في «شرح الاعتقاد» عن معاوية رضي الله عنه ، ورواه ابن ماجه (٣٩٩٣) ، والآجرى (ص ١٦) عن أنس ، ورواه أيضا ابن ماجه (٣٩٩٢) ، وابن أبي عاصم (٦٣) ، واللالكائي (١٤٩) عن عوف بن مالك الأشجعى ، ورواه الترمذي (٢٧٧٨) ، والآجرى (ص ١٥) ، وابن حبان (١٨٣٤ ـ موارد) ، والحاكم (١ / ١٢٨) عن أبي هريرة.
قال الحاكم : هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث ووافقه الذهبي أه وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» : إسناده حسن أه ، وذكره الألباني في «الصحيحة» (٢٠٤) وله فيه بحث جيد فقها ومصطلحا فليراجع.