الوجه الخامس : وهو أن المنهي عنه من قبول هذا الخبر وتصديقه فيه هو عين المحذور ، فيكون واقعا في المنهي عنه سواء أطاع أو عصى ، ويكون تاركا للمأمورية سواء أطاع أو عصى ، ويكون وقوعه في المحذور على تقدير الطاعة أعجل وأسبق منه على تقدير المعصية ، المنهى عنه على هذا التقدير هو التصديق ، المأمور به هو التكذيب ، وحينئذ فلا يجوز النهى عنه سواء كان محذورا أو لم يكن ، فإن لم يكن محذورا لم يجز أن ينهي عنه ، وإذا كان محذورا فلا بد منه على التقديرين.
الوجه السادس : أنه إذا قيل له : لا تصدقه في هذا كان آمرا له بما يناقض ما علم به صدقه ، فكان آمرا بما يوجب أن لا يثق بشيء من غيره ، فإنه متى جوز كذبه أو غلطه في خبر جوز ذلك في غيره. ولهذا أفضي الأمر بمن سلك هذا الطريق إلى أنهم لا يستفيدون من جهة الرسول صلىاللهعليهوسلم شيئا من الأمور الخبرية المتعلقة بصفات الرب سبحانه وتعالى وأفعاله : بل ولا باليوم الآخر عند بعضهم. لاعتقادهم أن هذه الأخبار على ثلاثة أنواع : نوع يجب رده وتكذيبه ، ونوع يجب تأويله وإخراجه عن حقيقته ، ونوع يقر ، وليس لهم في ذلك أصل يرجعون إليه ، بل يقول : ما أثبته عقلك فاثبته ؛ وما نفاه عقلك فانفه ، وهذا يقول : ما أثبته كشفك فاثبته وما لا فلا. ووجود الرسول عندهم كعدمه في المطالب الإلهية ومعرفة الربوبية ، بل على قولهم وأصولهم : وجوده أضر من عدمه ، لأنهم لا يستفيدون من جهته علما بهذا الشأن ، واحتاجوا إلى دفع ما جاء به ، إما بتكذيب ، وإما بتأويل ، وأما بإعراض وتفويض.
فإذا قيل : لا يمكن أنه يعلم أنه أخبر بما ينافي العقل فإنه منزه عن ذلك وممتنع عليه ذلك.
قيل : فهذا إقرار باستحالة معارضة العقل للسمع واستحالة المسألة ، وعلم أن جميع أخباره لا تناقض العقل.
قعد النقل سالما من مناف |
|
واسترحنا من الصداع جميعا |