يعلم بها صدق الرسول ، بل ذلك بالآيات والبراهين الدالة على صدقه ، فعلم أن جميع المعقولات ليست أصلا للنقل لا بمعنى توقف العلم بالسمع عليها ؛ لا سيما وأكثر متكلمي أهل الإثبات كالأشعري في أحد قوليه ، وأكثر أصحابه يقولون : إن العلم بصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم عند ظهور المعجزات الحادثة ضروري فما يتوقف عليه العلم بصدق الرسول من العلم العقلي سهل يسير ، مع أن العلم بصدقه له طرق كثيرة متنوعة وحينئذ فإن كان المعارض للسمع من المعقولات ما لا يتوقف العلم بصحة السمع عليه ، لم يكن القدح فيه قدحا في أصل السمع ، وهذا بحمد الله بين واضح. وليس القدح في بعض العقليات قدحا في جميعها ، كما أنه ليس القدح في بعض السمعيات قدحا في جميعها. فلا يلزم من صحة المنقولات التي تبني عليها معرفتنا بالسمع صحة غيرها من المعقولات ، ولا من فساد هذه فساد تلك. فلا يلزم من تقديم السمع على ما يقال إنه معقول في الجملة القدح في أصله.
الرابع : أن يقال : إما أن يكون عالما بصدق الرسول وثبوت ما أخبر به في نفس الأمر وإما ألّا يكون عالما بذلك ؛ فإن لم يكن عالما امتنع التعارض عنده ، لأن المعقول إن كان معلوما لم يتعارض معلوم ومجهول ، وإن لم يكن معلوما لم يتعارض مجهولان ، وإن كان عالما بصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم امتنع ألا يعلم بثبوت ما أخبر به في نفس الأمر ، وإذا علم أنه أخبر به وهو عالم بصدقه لزم ضرورة أن يكون عالما بثبوت مخبره. وإذا كان كذلك استحال أن يقع عنده دليل يعارض ما أخبر به ويكون ذلك المعارض واجب التقديم ؛ إذ مضمون ذلك أن يقال : لا تعتقد ثبوت ما علمت أنه أخبر به. لأن هذا الاعتقاد ينافي ما علمت من أن المخبر صادق ؛ وحقيقة ذلك ، لا تصدقه في هذا الخبر ، لأن تصديقه يستلزم عدم تصديقه ، فيقول : وعدم تصديقي له فيه هو عين اللازم المحذور ، فإذا قيل لي لا تصدقه لئلا يلزم عدم تصديقه ، كان كما لو قيل كذبه لئلا يلزم تكذيبه. فهكذا حال من أمر الناس أن لا يصدقوا الرسول فيما علمه لأنه أخبر به بعد علمهم أنه رسول لئلا يفضي تصديقهم إلى عدم تصديقه. يوضحه :