(صريح العقل موافق لصحيح النقل)
الثاني عشر : إن ما علم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة. ومن تأمل ذلك فيما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار وجد ما خلف النصوص الصريحة الصحيحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها ، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها. فتأمل ذلك في مسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعاد ، تجد ما يدل عليه صريح النقل لم يخالفه لما دل عليه العقل. ونحن نعلم قطعا أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول وإن أخبروا بمجازات العقول ، فلا يخبرون بما يحيله العقل.
الثالث عشر : إن الشبهات القادحة في نبوات الأنبياء ووجود الرب ومعاد الأبدان : التي يسميها أربابها حججا عقلية في كل معارضة للنقل ، وهى أقوى من الشبه التي يدعي النفاة للصفات أنها معقولات خالفت النقل ومن جنسها أو قريب منها كما قيل :
دع الخمر يشربها الغواة فإني |
|
رأيت أخاه مغنيا عن مكانها |
فإن لم يكنها أو تكنه فإنه |
|
أخوها غذته أمه بلبانها |
قد أورد على القدح في النبوات ثمانين شبهة أو أكثر ، وهي كلها عقلية ؛ وأورد على إثبات وجود الصانع سبحانه نحو أربعين شبهة ، وأورد على المعاد مثل ذلك ، والله يعلم أن هذه الشبهة من جنس شبه نفاة الصفات وعلو الله على خلقه وتكليمه وتكلمه ؛ ورؤيته بالأبصار عيانا في الآخرة ، لكن نفقت هذه الشبهة بجاه نسبة أربابها إلى الإسلام ؛ وأن القوم يذبون على دين الله وينزهون الرب عما لا يليق به : وإلا فعند التحقيق القاع عرفج ولا فرق بين الشبه المعارضة لأصل نبوة الرسول صلىاللهعليهوسلم وبين الشبه المعارضة لما أخبر به. ومن تأمل هذا وهذا تبين له حقيقة الحال ، وربما وجد الشبه القادحة في أصل النبوة أكثر من الشبه المعارضة لما أخبرت به الرسل.
فنقول لمن قدم المعقول على ما أخبر به الرسول : هل تقدم المعقول المعارض