لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء : ٦٥).
فأقسم سبحانه أنا لا نؤمن حتى نحكم رسوله في جميع ما شجر بيننا وتتسع صدورنا لحكمه فلا يبقى فيها حرج ، ونسلم لحكمه تسليما ؛ فلا نعارضه بعقل ولا رأى ، فقد أقسم الله سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن هؤلاء الذين يقدمون العقل على ما جاء به الرسول ، وقد شهدوا هم على أنفسهم بأنهم غير مؤمنين بمعناه وإن آمنوا بلفظه.
وقال تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) (الشورى : ١٠) وهذا نص صريح في أن حكمة جميع ما تنازعنا فيه مردود إلى الله وحده ، فهو الحاكم فيه على لسان رسوله ، فلو قدم حكم العقل على حكمه لم يكن هو الحاكم بكتابه. وقال تعالى : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (الأعراف : ٣) فأمر باتباع الوحي المنزل وحده ونهي عما خالفه ، وأخبر أن كتابه بينه وهدى وشفاء ورحمة ونور مفصلا وبرهانا ؛ وحجة وبيانا. فلو كان في العقل ما يعارضه ويجب تقديمه على القرآن لم يكن فيه شيء من ذلك ، بل كانت هذه الصفات للعقل دونه.
__________________
للطبري وغيره بلفظ : جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها ما سمعوا من اليهود ، وفقال النبي صلىاللهعليهوسلم ... فذكره وسكت عنه الحافظ ثم قال :
وقد خفى وجه مناسبة تلاوة هذه الآية هنا على كثير من الناس كابن كثير فنفي أن يكون لذكرها وجه ، على أن ابن بطال مع تقدمه قد أشار إلى المناسبة فقال : قال أهل التأويل في هذه الآية ، فذكر ابن يحيى بن جعدة مختصرا ، قال : فالمراد بالآية الاستغناء عن أخبار الأمم الماضية وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد الفقر ، قال وإتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك ، وقال ابن التين : يفهم من الترجمة أن المراد بالتغني الاستغناء لكونه أتبعه الآية التي تتضمن الإنكار على من لم يستغن بالقرآن عن الاستغناء لكونه أتبعه الآية التى تتضمن الإنكار على من لم يستغن بالقرآن عن غيره فحمله على الاكتفاء به وعدم الافتقار إلى غيره ، وحمله على ضد الفرق من جملة ذلك ا ه.