تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (المائدة : ٣) وأنكر على من لم يكتف بالوحي فقال : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت : ١٥) ذكر هذا جوابا لطلبهم آية تدل على صدقه ، فأخبر أنه يكفيهم من كل آية. فلو كان ما تضمنه من الأخبار عنه وعن صفاته وأفعاله واليوم الآخر يناقض العقل لم يكن دليلا على صدقه ؛ فضلا عن أن يكون كافيا. وسيأتى في الوجه الذي بعد هذا بيان أن تقديم العقل على النقل يبطل كون القرآن آية وبرهانا على صحة النبوة.
والمقصود أن الله سبحانه تمم الدين وأكمله بنبيه صلىاللهعليهوسلم وما بعثه به ؛ فلم يحوج أمته إلى سواه.
فلو عارضه العقل وكان أولى بالتقديم منه لم يكن كافيا للأمة ولا تاما في نفسه. وفي «مراسيل» أبي داود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى بيد عمر ورقة فيها شيء من التوراة فقال : «كفى بقوم ضلالة ان تبعوا كتابا غير كتابهم ، أنزل على نبي غير نبيهم» (١) فأنزل الله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ؟ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، وقال تعالى (فَلا وَرَبِّكَ
__________________
(١) أخرجه أبو داود في «المراسيل» (٤٥٤) ، ورواه الدارمي (١ / ١٣٤) من طريق سفيان عن عمر بن يحي بن جعدة قال : أتى النبي صلىاللهعليهوسلم بكتف فيه كتاب فقال : «كفى بقوم ضلالا أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبى غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم» فأنزل الله عزوجل : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ ...) الآية.
قلت : ويحيى بن جعدة هو المخزومى ، قال أبو حاتم والنسائي : ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات وهو تابعى فالرواية مرسلة.
وقال الحافظ في «التقريب» : ثقة وقد أرسل عن ابن مسعود ونحوه أه.
والحديث ذكره الحافظ في «الفتح» : كتاب فضائل القرآن ، باب : من لم يتغن بالقرآن ، وقوله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ). وعزاه