كتب الله المنزلة وما أرسل به رسله. فما زكاه منطقه وآليه وقانون الذي وضعه بعقله قبلوه ، وما لم يزكه تركوه.
ولو كانت هذه الأدلة التي أفسدت عقول هؤلاء صحيحة لكان صاحب الشريعة يقوم شريعته بها ويكملها باستعمالها ، وكان الله تعالى ينبه عليها ويحض على التمسك بها.
فيا للعقول أين الدين من الفلسفة؟ وأين كلام رب العالمين من آراء اليونان والمجوس وعباد الأصنام والصابئين؟ والوحى حاكم والعقل محكوم عليه. فإن قالوا : إنما نقدم العقل الصريح الذي لم يختلف فيه اثنان على نصوص الأنبياء ، فقد رموا الأنبياء بما هم أبعد الخلق منه. وهو أنهم جاءوا بما يخالف العقل الصريح. هذا وقد شهد الله وكفى بالله شهيدا ، وشهد بشهادته الملائكة وأولو العلم أن طريقة الرسول صلىاللهعليهوسلم هى الطريقة البرهانية للحكمة كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (النساء : ١٧٤) ، وقال تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (النساء : ١٣) فالطريقة البرهانية (١) هي الواردة بالوحي الناظمة للرشد ، الداعية إلى الخير ، الواعدة لحسن المآب المبينة لحقائق الأنباء ، المعرفة بصفات رب الأرض والسماء. وأن الطريقة التقليدية التخمينية هي المأخوذة من المقدمتين والنتيجة والدعوى التي ليس مع أصحابها إلا الرجوع إلى رجل من يونان وضع بعقله قانونا يصحح زعمه علوم الخلائق وعقولهم ، فلم يستفد به عاقل تصحيح مسألة واحدة في شيء من علوم بني آدم ؛ بل ما وزن به علم إلا أفسده ، وما برع فيه أحد إلا انسلخ من حقائق الإيمان كانسلاخ القميص عن الإنسان.
الحادي عشر : إن الله تعالى قد تمم الدين بنبيه صلىاللهعليهوسلم وكمله به ، ولم يحوجه هو لا أمته إلى عقل ولا نقل سواه. ولا رأى ولا منام. ولا كشف ؛ قال الله
__________________
(١) يعنى التى قامت على البرهان والدليل.