(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران : ١٨) ، والمراد بهم أولو العلم بما أنزله على رسله ليس المراد بهم أولى العلم بالمنطق والفلسفة وفروعها ، وقال تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (طه : ١١٤) ، فالعلم الذي أمره باستزادته هو علم الوحي لا علم الكلام والفلسفة ، وقال تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) ، أي أنزله وفيه علمه الذي لا يعلمه البشر ، فالباء للمصاحبة مثل قوله (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (هود : ١٤) أي أنزل وفيه علم الله ، وذلك من أعظم البراهين علي صدق نبوة من جاء به.
ولم يصنع شيئا من قال : ان المعنى أنزله وهو يعلمه. وهذا إن كان حقا فإن الله يعلم كل شيء فليس في ذلك دليل وبرهان على صحة الدعوى ، فإن الله يعلم الحق والباطل بخلاف ما إذا كان المعنى أنزله متضمنا لعلمه الذي لا يعلمه غيره إلا من أطلعه الله وأعلمه به ؛ فإن هذا من أعظم أعلام النبوة والرسالة. وقال فيما عارضه من الشبه الفاسدة التي يسميها أربابها قواطع عقلية (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم : ٢٨) ، وقال تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (الأنعام : ١١٦) ، وقال لمن أنكر المعاد بعقله : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (الجاثية : ٢٤) ، والظن الذي أثبته سبحانه للمعارضين نصوص الوحي بعقولهم ليس هو الاعتقاد الراجح بل هو أكذب الحديث وقال : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) (الذاريات : ١٠ ، ١١).
وأنت إذا تأملت ما عند هؤلاء المعارضين لنصوص الأنبياء بعقولهم رأيته كله خرصا ، وعلمت أنهم هم الخراصون ، وأن العلم في الحقيقة ما نزل به الوحى على الأنبياء والمرسلين ؛ وهو الذي أقام الله به حجته ، وهدى به أنبياءه ورسله وأتباعهم وأثني عليهم فقال : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا