وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة : ١٥١) وقال تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (النساء : ١١٣) ، وقال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (آل عمران : ١٦٤) الآية ، فهذه النعمة والتزكية إنما هي لمن عرف زعم إن ذلك مخالف لصريح العقل ، وإن العقول مقدمة عليه ، والله المستعان.
الثامن عشر : إن العقل تحت حجر الشرع فيما يطلبه ويأمر به وفيما يحكم به ويخبر عنه فهو محجور عليه في الطلب والخبر ، كما أن من عارض أمر الرسل بعقله لم يؤمن بهم وبما جاءوا به ؛ فكذلك من عارض خبرهم بعقله ، ولا فرق بين الأمرين أصلا. يوضحه :
إن الله سبحانه حكى عن الكفار معارضة أمره بعقولهم كما حكى عنهم معارضة خبره بعقولهم. أما الأول ففي قوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٥) ، فعارضوا تحريمه للربا بعقولهم التي سوت بين الربا والبيع. فهذا معارضة النص بالرأى ، ونظير ذلك ما عارضوا به تحريم الميتة من قياسها على المذكاة وقالوا. تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله ، وفي ذلك أنزل الله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام : ١٢١).
وعارضوا أمره بتحويل القبلة وقالوا : إن كانت القبلة الأولى حقا فقد تركت الحق ، وإن كانت باطلا فقد كنت على باطل ، وإمام هؤلاء شيخ الطريقة إبليس عدو الله ، فإنه من عارض أمر الله بعقله ، وزعم أن العقل يقتضي خلافه (١).
__________________
(١) وذلك بقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف : ١٢) وتقدم نقل كلام العلماء في إفساد هذا القياس وإبطاله ورده على صاحبه فسبحان الله الحليم الصبور.