التخييل : أراد منهم اعتقاد خلاف الحق والصواب ، وإن كان في ذلك مفسدة فالمصلحة المترتبة عليه أعظم من المفسدة التي فيه. فقال أصحاب التأويل : بل أراد منا أن نعتقد خلاف ظاهره وحقيقته ، ولم يبين لنا المراد تعويضا إلى حصول الثواب بالاجتهاد والبحث والنظر وإعمال الفكرة في معرفة الحق بعقولنا ، وصرف تلك الألفاظ عن حقائقها وظواهرها لننال ثواب الاجتهاد والسعي في ذلك. فالطائفتان متفقتان أن ظاهر خطاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضلال وباطل ، وأنه لم يبين الحق ، ولا هدى إليه الخلق.
المقام الرابع : مقام اللاأدرية الذين يقولون : لا ندري معاني هذه الألفاظ ، وينسبون طريقهم إلى السلف ، وهي التي يقول المتأولون إنها أسلم ، ويحتجون بقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (آل عمران : ٧) ويقولون : هذا هو الوقف التام عند جمهور السلف ، وهو قول أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وغيرهم من السلف والخلف وعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا أصحابهم ولا التابعون لهم بإحسان ، بل يقرءون كلاما لا يعقلون معناه.
ثم هم متناقضون أفحش تناقض فإنهم يقولون : تجري على ظاهرها ، وتأويلها باطل ثم يقولون : لها تأويل لا يعلمه إلا الله. وقول هؤلاء باطل ، فإن الله سبحانه أمر بتدبر كتابه وتفهمه وتعقله ، وأخبر أنه بيان وهدى وشفاء لما في الصدور وحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ومن أعظم الاختلاف اختلافهم في باب الصفات والقدر والأفعال ، واللفظ الذي لا يعلم ما أراد به المتكلم لا يحصل به حكم ولا هدى ولا شفاء ولا بيان.
وهؤلاء طرقوا لأهل الإلحاد والزندقة والبدع أن يستنبطوا الحق من عقولهم فإن النفوس طالبة لمعرفة هذا الأمر أعظم طلب ، والمقتضى التام لذلك فيها موجود فإذا قيل لها : إن ألفاظ القرآن والسنة في ذلك لها تأويل لا يعلمه إلا الله ، ولا