ولا وجه ولا يدين. وليس فيه معنيان يتميز أحدها عن الأخر البتة. قالوا : لأنه لو كان كذلك لكان مركبا وكان جسيما مؤلفا ، ولم يكن واحدا من كل وجه ، فجعلوه من جنس الجوهر الفرد الذي لا يحس ولا يرى ولا يتميز منه جانب عن جانب ، بل الجوهر الفرد يمكن وجوده ، وهذا الواحد الذي جعلوه حقيقة رب العالمين يستحيل وجوده.
فلما اصطلحوا على هذا المعنى في التوحيد وسمعوا قوله (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (البقرة : ١٦٣) وقوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) (المائدة : ٧٣) نزلوا لفظ القرآن على هذا المعنى الاصطلاحى وقالوا لو كان له صفة أو كلام أو مشيئة ، أو علم ، أو حياة وقدرة ، أو سمع ، أو بصر ، لم يكن واحدا ، وكان مركبا مؤلفا فسموا أعظم التعطيل (١) بأحسن الأسماء وهو التوحيد. وسموا أصح الأشياء وأحقها بالثبوت وهو صفات الرب بأقبح الأسماء ؛ وهو التركيب والتأليف ، فتولد من بين هذه التسمية الصحيحة للمعنى الباطل : جحد حقائق أسماء الرب وصفاته ، بل وجحد ماهيته وذاته وتكذيب رسله ، ونشأ من نشأ على اصطلاحه مع إعراضه عن استفادة الهدى والحق من الوحى ، فلم يعرف سوى الباطل الذي اصطلحوا عليه فجعلوه أصلا لدينه فلما رأى أن ما جاءت به الرسل يعارضه قال : إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل.
__________________
(١) قال الشيخ السلمان : التعطيل : مأخوذ من العطل الّذي هو الخلو والفراغ والترك ومعناه هنا : نفي الصفات الإلهية وسلبها عن الله ، والفرق بينه وبين التحريف : أن التعطيل نفي للمعنى الحق الّذي دل عليه الكتاب والسنة ، وأما التحريف فهو تفسير النصوص بالمعانى الباطلة.
وقال : وأنواع التعطيل ثلاثة : أولا تعطيل الله من كماله المقدس وذلك بتعطيل أسمائه وصفاته : كتعطيل الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم ، ثانيا : تعطيل معاملته بترك عبادته أو عبادة غيره معه ، ثالثا : تعطيل المصنوع من صانعه كتعطيل الفلاسفة الذين زعموا قدم هذه المخلوقات وأنها تتصرف بطبيعتها ، فهذا من أبطل الباطل إذ لا يمكن وجود ذات بدون صفات أه بتصرف (مختصر الأسئلة ص ٢٤).