المفسرين ؛ واستشكلوا أقوال السلف فيه ؛ فإن ابن عباس وغيره قالوا مثل السوء العذاب والنار. ولله المثل الأعلى : شهادة (أن لا إله إلا الله) قال قتادة : هو الإخلاص والتوحيد. وقال الواحدي هذا قول المفسرين في هذه الآية ولا أدري لم قيل العذاب مثل السوء والإخلاص المثل الأعلى؟ قال وقال قوم : المثل السوء الصفة السوء من احتياجهم للولد وكراهتهم للإناث خوف العيلة والعار. ولله المثل الأعلى الصفة العليا وتنزهه وبراءته من الولد ، قال : وهذا قول صحيح والمثل كثيرا يرد بمعنى الصفة وقاله جماعة من المتقدمين.
وقال ابن كيسان : مثل السوء ما ضرب الله الأصنام وعبدتها من الأمثال ، والمثل الأعلى نحو قوله (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ الآية وقال ابن جرير : وله المثل الأعلى ، هو الأطيب والأفضل والأحسن والأجمل ، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله إلا هو.
قلت : المثل الأعلى يتضمن الصفة العليا ، وعلم العالمين بها ، ووجودها العلمي ، والخبر عنها وذكرها ، وعبادة الرب سبحانه بواسطة العلم والمعرفة القائمة بقلوب عابديه وذاكريه ، فها هنا أربعة أمور : ثبوت الصفات العليا لله سبحانه في نفس الأمر. علمها العباد أو جهلوها. وهذا قول من فسره بالصفة. (الثاني) وجودها في العلم والتصور ، وهذا معنى قول من قال من السلف والخلف : إنه ما في قلوب عابديه وذاكريه من معرفته وذكره ومحبته وإجلاله وتعظيمه ، وهذا الذي في قلوبهم من المثل الأعلى لا يشترك فيه غيره معه ، بل يختص به في قلوبهم كما اختص به في ذاته ، وهذا معني قول من قال من المفسرين : أهل السماء يحبونه ويعظمونه وأهل الأرض يجلونه ويعظمونه ، وإن أشرك به من أشرك وعصاه من عصاه وجحد صفاته من جحدها ، فكل أهل الأرض معظمون له مجلون له خاضعون لعظمته. قال تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (الروم : ٢٦) فلست تجد أحدا من أوليائه وأعدائه إلا والله أكبر في صدره وأعظم من كل ما سواه. (الثالث) ذكر صفاته والخبر عنها وتنزيهها عن النقائص والعيوب والمثيل (الرابع) محبة الموصوف بها وتوحيده والإخلاص له والتوكل عليه ، وكلما كان الإيمان بالصفات أكمل كان هذا الحب والإخلاص أقوى.