فعبارة السلف تدور حول هذه المعاني الأربعة لا تتجاوزها. وقد ضرب الله مثل السوء للأصنام بأنها لا تخلق شيئا وهي مخلوقة ، ولا تملك لنفسها ولا لعابديها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
وقال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟) (الحج : ٧٥ ـ ٧٦) فهذان مثلان ضربهما الله لنفسه وللأصنام : للأصنام مثل السوء وله المثل الأعلى.
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ. إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ. وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج : ٧٣ ـ ٧٤) فهذا المثل الأعلى الذي له سبحانه والأول مثل السوء للصنم وعابديه.
وقد ضرب الله سبحانه للمعارضين بين الوحى وعقولهم بمثل السوء بالكلب تارة ، وبالخمر تارة وبالأنعام تارة ، وبأهل القبور تارة ؛ وبالعمي الصم وغير ذلك من أمثال السوء التي ضربها لهم ولأوثانهم ، وأخبر عن مثله الأعلى بما ذكره من أسمائه وصفاته وأفعاله ، وضرب لأوليائه وعابديه أحسن الأمثال ، ومن تدبر القرآن فهم المراد بالمثل الأعلى ومثل السوء.
السادس والثلاثون : قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) (الأنعام : ١١٤) فهذا يبين أن الحكم بين الناس هو الله وحده بما أنزل من الكتاب المفصل ، كما قال في الآية الأخرى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) (الشورى : ١٠) وقال تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة : ٢١٣) وقال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (النساء : ١٠٥) وقال تعالى :