وسنة رسوله على بصيرة إلى أن جاء ما لا قبل لأحد به وهم جنود إبليس حقا ، المعارضون لما جاءت به الرسل بعقولهم وآرائهم. وهم القرامطة والباطنية والملاحدة ، ودعوهم إلى العقل المجرد ، وأن أمور الرسل تعارض العقول ، فهم القائمون بهذه الطريقة حق القيام بالقول والفعل فجرى على الإسلام وأهله منهم ما جرى ، وكسروا عسكر الخليفة مرارا عديدة ، وقتلوا الحاج قتلا ذريعا ، وانتهوا إلى مكة فقتلوا بها من وصل من الحاج إليها وقلعوا الحجر الأسود من مكانه ، وقويت شوكتهم واستفحل أمرهم وعظمت بهم الرزية واشتدت بهم البلية.
وأصل طريقهم أن الذي أخبرت به الرسل قد عارضه العقل ، وإذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل. وفي زمانهم استولى الكفار على كثير من بلاد الإسلام بالمشرق والمغرب ، وكاد الإسلام أن ينهدم ركنه لو لا دفاع الذي ضمن حفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ثم خمدت دعوة هؤلاء في المشرق وظهرت بالمغرب قليلا ، حتى استفحلت وتمكنت واستولى أهلها على كثير من بلاد المغرب. ثم أخذوا يطئون البلاد حتى وصلوا إلى بلاد مصر فملكوها وبنوا بها القاهرة ؛ وأقاموا على هذه الدعوة مصرحين بها هم وولاتهم وقضاتهم ، وفي زمانهم صنفت رسائل «إخوان الصفا» و «الإرشادات» و «الشفا» وكتب ابن سينا ، فإنه قال : كان أبي من أهل الدعوة الحاكمية وعطلت في زمانهم السنة وكتبها والآثار جملة إلا في الخفية ، وشعار هذه الدعوة تقديم العقل علي الوحي ، واستولوا على بلاد الغرب ومصر والشام والحجاز ، واستولوا على العراق سنة وأهل السنة فيهم كأهل الذمة بين المسلمين ، بل كان لأهل الذمة من الأمان والجاه والعز عندهم ما ليس لأهل السنة. فكم أغمد من سيوفهم في أعناق العلماء ، وكم مات في سجونهم من ورثة الأنبياء ؛ حتى استنقذ الله الإسلام والمسلمين من أيديهم في أيام نور الدين وابن أخيه صلاح الدين فأبلّ الاسلام من علته ، بعد ما وطن نفسه على العزاء ، وانتعش بعد طول الخمول حتى استبشر أهل الأرض والسماء. وأبدر هلاله بعد أن دخل في المحاق.