وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره من خلقه» (١).
فإذا كانت سبحات وجهه الأعلى لا يقوم لها شيء من خلقه ، ولو كشف حجاب النور عن تلك السبحات لأحرق العالم العلوي والسفلي ، فما الظن بجلال ذلك الوجه الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله وجماله؟.
وإذا كانت السماوات مع سعتها وعظمتها يجعلها على إصبع من أصابعه والأرض على إصبع والبحار على إصبع والجبال على إصبع ، فما الظن باليد الكريمة التي هي صفة من صفات ذاته (٢) ، وإذا كان يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات بأقطار الأرض والسماوات فلا تشتبه عليه ولا تختلط عليه ولا يغلطه سمع عن سمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء تحت أطباق الأرض في الليلة الظلماء.
ويعلم ما تسره القلوب وأخفى منه. وهو ما لم يخطر لها إنه سيخطر لها. ولو كان البحر المحيط بالعالم مدادا ويحيط به من بعده سبعة أبحر كلها مداد وجميع أشجار الأرض. وهو كل نبت قام على ساقه مما يحصد ومما لا يحصد ، أقلام يكتب بها ، نفدت الأقلام والبحار ولم ينفد كلامه (٣).
وهذا وغيره بعض ما تعرف به إلى عباده من كماله ، وإلا فلا يمكن لأحد قط أن يحصى ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، فكل الثناء وكل الحمد وكل المجد ، وكل الكمال له سبحانه. هو الذي وصلت إليه عقول أهل الإثبات
__________________
(١) أخرجه مسلم (١٧٩).
(٢) يشير إلى ما أخرجه البخاري (٧٤١٤ ـ ٧٤١٥) عن عبد الله بن مسعود أن يهوديا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول : أنا الملك وتقدم الكلام عليه قريبا.
(٣) يشير لقوله تعالى (لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان : ٢٧).