فتأمل هذا الوجه فإنه كاف في إبطال قولهم. ولهذا إذا أراد أهله أن يدعوا الناس إليه ويقبلوه منهم وطئوا إليه توطيئات ، وقدموا له مقدمات يثبتوها في القلب درجة بعد درجة ، ولا يصرحون به أولا ؛ حتى إذا أحكموا ذلك البناء استعاروا له ألفاظا مزخرفة ، واستعاروا المخالفة ألفاظا شنيعة ، فتجمع تلك تلك المقدمات التي قدموها ، وتلك الألفاظ التي زخرفوها : وتلك الشناعات التي على من خالفهم شنعوها. فهنالك إن لم يمسك الإيمان من يمسك السماوات والأرض أن تزولا. وألا ترحل عن القلب ترحل الغيث استدبرته الريح.
الوجه الحادي والأربعون : إن لوازم هذا القول معلومة البطلان بالضرورة من دين الإسلام ؛ وهي من أعظم الكفر ؛ وبطلان الإلزام يستلزم بطلان ملزومه ؛ فإن من لوازمه أنه لا يستفاد من خبر الرسول عن الله في هذا الباب علم ولا هدى ، ولا بيان الحق في نفسه ، ومن لوازمه أن يكون كلامه متضمنا لضد ذلك في ظهره وحقيقته. ومن لوازمه القدح في معرفته وعلمه ، أو في فصاحته وبيانه أو في فصحه وإرادته كما تقدم تقريره مرارا. ومن لوازمه أن يكون المعطلة النفاة أعلم بالله منه أو أنصح. ومن لوازمه أن يكون أشرف الكتب وأشرف الرسل قد قصر في هذا الباب غاية التقصير ؛ وأفرط في التجسيم والتشبيه غاية الإفراط. وتنوع في غاية التنوع. فمرة يقول «أين الله؟» ومرة يقر عليها من سأله ولا ينكرها ، ومرة يشير بإصبعه ومرة يضع يده على عينه وأذنه حين يخبر عن سمع الرب وبصره. ومرة يصفه بالمجيء والنزول والإتيان والانطلاق والمشي والهرولة. ومرة يثبت. له الوجه والعين واليد والأصبع والقدم والرجل والضحك والفرح والرضا والغضب والكلام والتكليم والنداء بالصوت والمناجاة ورؤيته مواجهة عيانا بالأبصار من فوقهم ومحاضراته لهم محاضرة ورفع الحجاب بينه وبينهم. وتجليه لهم واستدعاءهم لزيارته وسلامه عليهم سلاما حقيقيا (قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يس : ٥٨) واستماعه وأذنه لحسن الصوت إذا تلا كلامه. وخلقه ما يشاء بيده. وكتابته كلامه بيده. ويصفه بالإرادة والمشيئة والقدرة والقوة والحياء. وقبض السماوات وطيها بيده والأرض بيده الأخرى. ووضعه السماوات على إصبع والأرض