خلق كلاما في الهواء أسمعه إياه فكلمه في الريح لا أنه أسمعه كلامه الذي هو صفة من صفاته قائم بذاته ، لا يصدق الجهمي بهذا أبدا.
ومن لوازمه ـ بل صرحوا به ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يعرج به إلى الله حقيقة ولم يدن من ربه حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، ولم يرفع من عند موسى إلى عند ربه مرارا يسأله التخفيف لأمته. فإن من ، وإلى ، عندهم في حق الله تعالى محال ، فإنها تستلزم المكان ابتداء وانتهاء.
ومن لوازمه أن الله تعالى لم يفعل شيئا (ولا يفعل شيئا) فإن الفعل عندهم عين المفعول ، هو غير قائم بالرب ، فلم يقم به عندهم فعل أصلا ، وسموه فاعلا من غير فعل يقوم به ؛ كما سموه مريدا من غير إرادة تقوم به ، وسموه متكلما من غير كلام يقوم به ، وسماه زعيمهم المتأخر عند الله وعند عباده عالما من غير علم يقول به حيث قال : العلم هو المعلوم كما قالوا الفعل هو المفعول.
ومن لوازمه أنه لا يسمع ولا يبصر ، ولا يرضى ولا يغضب ، ولا يحب ولا يبغض ؛ فإذا ذلك من مقولة : أن ينفك ، وهذه المقولة لا تتعلق به وهي في حقه محال ؛ كما نفوا علوه على خلقه واستواءه على عرشه بكون ذلك من مقولة الأين وهي ممتنعة عليه ، كما نفوا استواءه على عرشه. لأن ذلك من مقولة الوضع المستحيل ثبوتها له. ولوازم قولهم اضعاف اضعاف ما ذكرناه.
الوجه الثاني والأربعون : إن هؤلاء المعارضين للوحي بآرائهم جعلوا كلام الله ورسوله من الطرق الضعيفة المزيفة التي لا يتمسك بها في العلم واليقين.
قال الرازي في «نهايته» : الفصل السابع في تزييف الطرق الضعيفة وهي أربع : نذكر نفي الشيء انتفاء دليله ، وذكر القياس ، وذكر الإلزامات. ثم قال : الرابع هو التمسك بالسمعيات. وهذا تصريح بأن التمسك بكلام الله ورسوله من الطرق الضعيفة المزيفة ، وأخذ في تقرير ذلك فقال : المطالب على أقسام ثلاثة : منها ما يستحيل العلم بها بواسطة السمع ومنها ما يستحيل العلم بها إلا السمع ومنها ما يصح حصول العلم بها من السمع تارة ومن العقل أخرى.