قال : أما القسم الأول فكل ما يتوقف العلم بصحة السمع على العلم بصحته استحال تصحيحه بالسمع من قبل العلم بوجود الصانع ، وكونه مختارا وعالما بكل المعلومات وصدق الرسول. قال : وأما القسم الثاني فهو ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر إذا لم يجده الإنسان من نفسه ولا يدركه بشيء من حواسه ، وفإن حصول غراب على قلة جبل قاف إذا كان جائز الوجود والعدم مطلقا ، وليس هناك ما [يقتضي] وجوب أحد طرفيه أصلا وهو غائب عن الحس والنفس استحال العلم بوجوده إلا من قول الصادق.
وأما القسم الثالث : فهو معرفة وجوب الواجبات وإمكان الممكنات واستحالة المستحيلات الذي يتوقف العلم بصحة السمع على العلم بوجوبها وإمكانها واستحالتها مثل مسئلة الرؤية والصفات ، والوحدانية وغيرها. ثم عدد أمثلة.
ثم قال : إذا عرفت ذلك فنقول. أما إن الأدلة السمعية لا يجوز استعمالها في الأصول في القسم الأول فهو ظاهر ، وإلا وقع الدور ، وإما أنه يجب استعمالها في القسم الثاني فهو ظاهر كما سلف. وأما الثالث فنفي جواز استعمال الأدلة السمعية فيه إشكال ، وذلك لأنا لو قدرنا قيام الدليل القاطع العقلي على خلاف ما أشعر به ظهر الدليل السمعي فلا خلاف بين أهل التحقيق بأنه يجب تأويل الدليل السمعي لأنه إذا لم يمكن الجمع بين ظاهر النقل وبين مقتضى الدليل العقلي ، فإما أن يؤول النقل ، فإن كذبنا العقل مع أن النقل مع أن لا يمكن إثباته إلا بالعقل فإن الطريق إلى إثبات الصانع ومعرفة النبوة ليس إلا العقل ، فحينئذ تكون صحة النقل متفرقة على ما يجوز فساده وبطلانه ، فإذا لا يكون العقل مقطوع الصحة ، فإذا تصحيح النقل يرد العقل ويتضمن القدح في النقل. وما أدى ثبوته إلى انتفائه كان باطلا ، وتعين تأويل النقل ، فإذا الدليل السمعي لا يفيد اليقين بوجود مدلوله إلا بشرط أم لا يوجد دليل عقلي على خلاف ظاهره. فحينئذ لا يكون الدليل النقلي مفيدا للمطلوب إلا إذا تبين انه ليس في العقل ما يقتضي خلاف ظاهره ، ولا سبيل لنا إلى إثبات ذلك إلا من وجهين : إما أن نقيم دلالة عقلية على صحة ما أشعر به ظاهر الدليل النقلي