وحينئذ يصير الاستدلال بالنقل فضله غير محتاج إليه ، وإما بأن نتزيف أدلة المنكرين لما دل عليه ظاهر النقل ، وذلك ضعيف ، لما بينا من أنه لا يلزم من فساد ما ذكروه إلا أن يكون هنالك معارض أصلا ، إلا أن نقول أنه لا دليل على هذه المعارضات ، فوجب نفيه لكنا زيفنا هذه الطريقة ، يعني انتفاء الشيء لانتفاء دليله أو نقيم دلالة قاطعة على أن المقدمة الفلانية غير معارضة لهذا النص ولا المقدمة الأخرى ، وحينئذ يحتاج إلى إقامة الدلالة على أن كل واحدة من هذه المقدمات التي لا نهاية لها غير معارضة لهذا الظاهر.
فثبت أنه لا يمكن حصول اليقين بعدم ما يقتضي خلاف الدليل النقلي ، وثبت أن الدليل النقلي تتوقف إفادته لليقين على مقدمة غير يقينية : وهي عدم دليل عقلي. وكل ما تنبئ صحته على ما لا يكون يقينا لا يكون هو أيضا يقينيا ، فثبت أن الدليل النقلي من هذا القسم لا يكون مفيدا لليقين.
قال : وهذا بخلاف الأدلة العقلية فإنها مركبة من مقدمات لا يكتفي منها بأن لا يعلم فسادها ، بل لا بد وأن يعلم بالبديهة صحتها إذ يعلم بالبديهة لزومها مما علم صحته بالبديهة ، ومتى كان ذلك استحال أن يوجد ما يعارضه لاستحالة التعارض في العلوم البديهية. ثم قال : فإن قيل : إن الله سبحانه لما أسمع المكلف الكلام الذي يشعر ظاهره بشيء. فلو كان في العقل ما يدل على بطلان ذلك الشيء وجب عليه سبحانه أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل. وإلا كان ذلك تلبيسا من الله تعالى وأنه غير جائز.
قلنا : هذا بناء على قاعدة الحسن والقبح ، وإنه يجب على الله سبحانه شيء ، ونحن لا نقول بذلك سلمنا ذلك ، فلم قلتم إنه يجب على الله أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل العقلي؟ وبيانه : إن الله تعالى إنما يكون ملبسا على المكلف لو اسمعه كلاما يمتنع عقلا أن يريد به إلا ما أشعر به ظاهره وليس الأمر كذلك ، لأن المكلف إذا سمع ذلك الظاهر فتقدير أن يكون الأمر كذلك ، لم