وصفات عظيمة يتميز بها. وذاتا عظيمة يمتاز بها عن الذوات ، وماهية أعظم من كل ماهية ونحو ذلك من المعانى المعقولة؟ فذلك أمر وجودى محقق. وإذا أضيف ذلك إلى الرب كان بحسب ما يليق به ولا يشركه فيه المخلوق. فهو في حق الخالق قدر يليق بعظمته وجلاله. وفي حق المخلوق قدر يناسبه كما قال تعالى : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق : ٣) فما من مخلوق إلا وقد جعل الله له قدرا يخصه والقدر يكون علميا ويكون عينيا. فالأول هو التقدير العلمي. وهو تقدير الشيء في العلم واللفظ والكتاب. كما يقدر العبد في نفسه ما يريد أن يقوله ويكتبه ويفعله فيجعل له قدرا. ومن هذا تقدير الله سبحانه وتعالى لمقادير الخلق في عمله وكتابه قبل تكوينها. ثم كونها على ذلك القدر الّذي علمه وكتبه ؛ والقدر الإلهي نوعان : أحدهما في العلم والكتابة ، والثاني خلقها وبرأها ، وتصويرها بقدرته التى يخلق بها الأشياء ، والخلق يتضمن الإبداع والتقدير جميعا ، والعباد لا يقدرون الخالق قدره ، والكفار منهم لا يقدرونه حق قدره ، ولهذا لم يذكر ذلك سبحانه إلا في حقهم كما قال تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) وهذا إنما وصف به الذين لا يؤمنون بجميع كتبه المنزلة ، من المشركين واليهود وغيرهم.
وقال تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ولم يقل قدروا الله قدره ؛ فإن حق قدره هو الحق الذي لقدره ؛ فهو حق عليهم لقدره سبحانه وتعالى ، فجحدوا ذلك الحق وأنكروه ؛ وما قاموا بذلك الحق معرفة ولا إقرارا ولا عبودية ، وذلك إنكار لبعض قدره من صفات كماله وأفعاله كجحودهم أنه يتكلم أو يعلم الجزئيات أو يقدر على إحداث فعل ، فشبهات منكرى الرسالة ترجع إلى ذلك. فمن أقر بما أرسل به رسله ، وأنه عالم متكلم بكتبه التي أنزلها عليهم ، قادر على الإرسال فقد قدره حق قدره من هذا الوجه ؛ وإن لم يقدره حق قدره مطلقا.
ولما كان أهل العلم والإيمان قد قاموا في ذلك بحسب قدرتهم وطاقتهم التى أعانهم بها ، ووفقهم بها لمعرفته وعبادته وتعظيمه. ولم يتناولهم هذا الوصف ،