بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام : ٩١) الثاني قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ، ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج : ٧٣ ـ ٧٤) الثالث قوله تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (الزمر : ٦٧) فأخبر أنه لم يقدره حق قدره من أنكر إرساله للرسل ، وإنزاله الكتب عليهم ؛ فهذا حقيقة قوله من قال : إنه لا يتكلم ولا ينزل منه إلى الأرض كلام. ومعلوم أن هذا إنكار لكمال ربوبيته وحقيقة إلهيته وحكمته ولم يقدره حق قدره من عبد إلها غيره ، ولم يقدره من جحد صفات كماله.
وقد وصف نفسه سبحانه بأنه العلى العظيم ، فحقيقة قول النفاة المعطلة إنه ليس بعلي ولا عظيم ؛ فإنهم يردون علوه وعظمته إلى مجرد أمر معنوى. كما يقال : الذهب أعلى وأعظم من الفضة. وقد صرحوا بذلك وقالوا : معناه عليّ القدر عظيم القدر.
قال شيخنا : فيقال لهم : أتريدون أنه في نفسه عليّ الذات عظيم القدر ، وأن له في نفسه قدرا عظيما. أم تريدون أن عظمته وقدره في النفوس فقط؟ فإن أردتم الأول ، فهو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة والعقل. وإذا كان في نفسه عظيم القدر. فهو في قلوب الخلق كذلك. فلا يحصى أحد ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه ولا يقدر أحد قدره ولا يعلم عظم قدره إلا هو. وتلك صفة يمتاز بها ويختص بها عن خلقه ، كما قال الإمام أحمد ، لما قالت الجهمية : إنه في المخلوقات نحن نعم مخلوقات كثيرة ليس فيها من عظم الرب شيء وإن اضفتم ذلك إلى مجرد تعظيم القلوب له من غير أن يكون هناك صفات ثبوتية وقدر عظيم يختص به ؛ فذاك اعتقاد لا حقيقة له. وصاحبه قد عظمه بأن اعتقد فيه عظمته لا حقيقة لها وذلك اعتقاد يضاهى اعتقاد المشركين في آلهتهم. وإن قالوا : بل نريد معنى ثالثا لا هذا ولا هذا. وهو أن له في نفسه قدرا يستحقه. لكنه قدر معنوي. قيل لهم : أتريدون أن له حقيقة عظيمة يختص بها عن غيره