له من فوقه أو من تحته أو عن يمينه أو عن شماله أو خلفه أو أمامه ، وقد دل النقل الصريح على أنهم إنما يرونه سبحانه من فوقهم ، لا من تحتهم ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم فاذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم ، وقال : يا أهل الجنة سلام عليكم ـ ثم قرأ : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ثم يتوارى عنهم وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم» (١). فلا يجتمع للإقرار بالرؤية بالإنكار الفوقية والمباينة ، ولهذا فإن الجهمية المغول تنكر علوه على خلقه ورؤية المؤمنين له في الآخرة ؛ ومخانيثهم يقرون بالرؤية وينكرون العلو وقد ضحك جمهور العقلاء من القائلين بأن الرؤية تحصل من غير مواجهة المرئي ومباينته ، وهذا رد لما هو مركوز في الفطر والعقول.
قال المنكرون : الإنسان يرى صورته في المرآة وليست صورته في جهة منها.
قال العقلاء : هذا هو التلبيس ؛ فإنه إنما يرى خيال صورته ، وهو عرض منطبع في الجسم الصقيل ، هو في جهة منها ؛ ولا يرى حقيقة صورته القائمة به ، والذين قالوا يرى من غير مقابله ولا يرى حقيقة صورته القائمة به ، والذين قالوا : يرى من غير مقابلة ولا مباينة قالوا : الصحيح الرؤية في الوجود ؛ وكل موجود يصح أن يرى ، فالتزموا روية الأصوات والروائح والعلوم والإرادات والمعاني كلها وجواز أكلها وشربها وشمسها ولمسها ، فهذا منتهى عقولهم.
الوجه التاسع والأربعون : إن من ادعى معارضة الوحى بعقله لم يقدر الله حق قدره ، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من لم يقدر الله حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابة : أحدهما قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى
__________________
(١) [ضعيف] أخرجه ابن ماجه (١٨٤) باب : فيما أنكرت الجهمية ، قال البوصيري هذا إسناد ضعيف لضعف الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشى ا ه «مصباح الزجاجة» (١ / ٨٦) وضعفه الشيخ في : «ضعيف ابن ماجه» و «مختصر العلو» (٥٢١) ، و «الطحاوية» (١٤١).