(نفى التشبيه والتمثيل لا يغنى عن إثبات الصفات اللائقة بالله سبحانه)
الخمسون : إن هؤلاء المعارضين بين الوحي والعقل إنما يدللون بنفي التشبيه والتمثيل ويجعلونه حنة لتعطيلهم ، فأنكروا علوه وكلامه وتكليمه وغير ذلك مما أخبر الله به عن نفسه ، وأخبر به رسوله صلىاللهعليهوسلم حتى آل ذلك ببعضهم إلى نفي ذاته وماهيته ، خشية التشبيه ، وقالوا : يلزم في الوجود ما يلزم مثبتى الصفات ، والكلام. والعلو. فنحن نسد الباب بالكلية.
فينبغى أن يعلم في هذا قاعدة عظيمة نافعة جدا هى : إن نفى الشبيه والمثل والنظير ليس في نفسه صفة مدح ولا كمال. ولا يمدح به المنفى عنه ذلك بمجرده فإن العدم المحض الذي هو أخس المعلومات وأنقصها ينفي عن الشبيه ، والمثل ، والنظير ، ولا يكون ذلك كمالا ولا مدحا إلا إذا تضمن كون من نفى عنه ذلك قد اختص من صفات الكمال بصفات باين بها غيره. وخرج بها عن أن يكون له فيها نظير أو مثل. فهو لتفرده بها عن غيره صح أن ينفي عنه الشبه والمثيل.
ولا يقال لمن لا سمع له ولا بصر ولا حياة ولا علم ولا كلام ولا فعل : ليس له مثل ولا شبه ولا نظير. إلا في باب الذم والعيب. هذا الذي عليه فطر الناس وعقولهم واستعمالهم في المدح والذم كما قيل :
ليس كمثل الفتى زهير |
|
خلق يساويه في الفضائل |
وقال الفرزدق :
فما مثله في الناس إلا مملكا |
|
أبو أمه حي أخوه يقار |
أى فما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا هو أخوه فعكس المعطلة المعنى فجعلوا (ليس كمثله شيء) جنة يتترسون بها لنفى علو الله سبحانه على عرشه وتكليمه لرسله وإثبات صفات كماله.
ومما ينبغى أن يعلم أن كل سلب ونفى لا يتضمن إثباتا ؛ فإن الله لا يوصف به لأنه عدم محض ونفي صرف لا يقتضي مدحا ولا كمالا. ولهذا كان تسبيحه وتقديسه مستلزمين لعظمته ومتضمنين لصفات كماله ، وإلا فالمدح بالعدم المحض كلا مدح ، ولهذا كان عدم السنة والنوم مدحا وكمالا فى حقه لتضمنه أو استلزامه