كمال حياته وقيوميته (١) ونفى اللغوب عنه كمالا لاستلزامه كمال قدرته وقوته (٢) ونفى النسيان عنه كمال لتضمنه كمال علمه (٣). وكذلك نفي عزوب شيء عنه (٤) ونفى الصاحبة والولد كمال لتضمنه كمال غناه وتفرده بالربوبية (٥) وأن من فى السماوات والأرض عبيد له ؛ وكذلك نفى الكفء المسمى والمثل عنه كمال لأنه مستلزم ثبوت جميع أوصاف الكمال له على أكمل الوجوه واستحالة مشارك له فيها.
فالذين يصفونه بالسلوب من الجهمية والفلاسفة لم يعرفوه من الوجه الذي عرفته به الرسل وعرفوه به الى الخلق ؛ وهو الوجه الّذي يحمد به ويعرف به عظمته وجلاله ، وإنما عرفوه من الوجه الّذي يقودهم إلى تعطيل العلم والمعرفة والإيمان به لعدم اعتقادهم الحق. وحقيقة أمرهم أنهم لم يثبتوا لله عظمة إلا ما تخيلوه فى نفوسهم من السلوب والنفى الّذي لا عظمة فيه ولا مدح فضلا عن أن يكون كمالا. بل ما أثبتوه مستلزم لنفى ذاته رأسا.
وأما الصفاتية الذين يؤمنون ببعض ويجحدون بعضا ؛ فإذا أثبتوا علما ، وقدرة وإرادة ؛ وغيرها تضمن ذلك إثبات ذات تقوم بهذه الصفات ؛ وتتميز بحقيقتها وماهيتها ؛ سواء سموه قدرا أو لم يسموه فإن لم يثبتوا ذاتا متميزة بحقيقتها وماهيتها كانوا قد أثبتوا صفات بلا ذات كما أثبت إخوانهم ذاتا بغير صفات ،
__________________
(١) يشير إلى قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ...) الآية [البقرة : ٢٥٥].
(٢) يشير لقوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨].
(٣) وذلك في قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم : ٦٤].
(٤) يشير إلى قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (يونس : ٦١). وقال : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (سبأ : ٣).
(٥) يشير لقوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠١] وقال : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) [الجن : ٣].