خالقا لأفعال العبيد مريدا لها قد شاءها وقدرها عليهم ، ثم عاقبهم عليها كان ظالما ، ولا يمكن إثبات كونه سبحانه عدلا لا يظلم إلا بالقول فإنه لم يرد وجود الكفر والفسوق والعصيان ، ولا شاءها بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئته وإرادته ، كما فعلوه بغير إذنه وأمره ، وهو سبحانه لم يخلق شيئا من أفعال العباد لا خيرها ولا شرها ، بل هم أحدثوا أعمالهم بأنفسهم ولذلك استحقوا العقوبة عليها ، فإذا عاقبهم لم يكن ظالما لهم ، وعندهم أنه يكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون فإن المشيئة عندهم بمعنى الأمر ، وهاتان الطائفتان متقابلتان غاية التقابل ، وكل منها تذم الأخرى ، وقد تكفرها وتسميها قدرية.
وقال أهل السنة والحديث ومن وافقهم : الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهو سبحانه حكم عدل ، لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوى بين مختلفين ، ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة ، ويضعها موضعها في ذلك من الحكمة ، ولا يعاقب أهل البر والتقوى ، وهذا قول أهل اللغة قاطبة ، وتفسير الظلم بذينك التفسيرين اصطلاح حادث ووضع جديد.
وقال ابن الأنباري : الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، يقال ظلم الرجل سقاءه إذا سقى منه قبل أن يخرج منه زبده. وقال الشاعر :
وصاحب صدق لم ينلني شكاية |
|
ظلمت وفي ظلمتي له عامدا أجر |
أراد بالصاحب : وطب اللبن ، وظلمه إياه أن يستقيه قبل أن يخرج زبده ، قال والعرب تقول : هو أظلم من حية ؛ لأنها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه ، ويقال : قد ظلم الماء الوادي ، إذا وصل منه إلى مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى ، وقال الحسن بن مسعود والفراء : أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه. قال ومنه قولهم : من أشبه أباه فما ظلم. وقوله : من استرعى الذئب فقد ظلم. يعنون من أشبه أباه فما وضع لشبه في غير موضعه. وهذا القول هو الصواب المعروف في لغة العرب والقرآن والسنة. وإنما تحمل ألفاظهما على لغة القوم لا على الاصطلاحات الحادثة. فإن هذا أصل كل فسا وتحريف