وبدعة. وهذا شأن أهل البدع دائما يصطلحون على معان يضعون لها ألفاظا من ألفاظ العرب ثم يحملون ألفاظ القرآن والسنة على تلك الاصطلاحات الحادثة (١).
فأما الجبرية فعندهم : لا حقيقة للظلم الذي نزه الرب نفسه عنه البتة. بل هو المجال لذاته الذي لا يتصور وجوده. وكل ممكن عندهم فليس بظلم حتى إنه لو عذب رسله وأنبياءه وأولياءه أبد الآبدين. وأبطل جميع حسناتهم وحملهم أوزار غيرهم وعاقبهم عليها. وأثاب أولئك على طاعات غيرهم وحرم ثوابها فاعلها. لكان ذلك عدلا محضا. فإن الظلم من الأمور الممتنعة لذاتها في حقه وهو غير مقدور له. بل هو كقلب المحدث قديما والقديم محدثا ، واحتج هؤلاء بأن الظلم التصرف في غير الملك أو مخالفة الآمر قالوا : ويدل على هذا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد في «مسنده» عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ما أصاب العبد قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانا. فرحا ، قالوا يا رسول الله أفلا نتعلمهن؟ قال بلى : ينبغى لمن سمعهن أن يتعلمهن» (٢) فأخبر أن جميع أقضيته في عبده عدل منه ، وهذا يعم قضاء المصائب وقضاء المعايب وقضاء العقوبات على الجرائم ، ولهذا قال العارفون بالله «كل نعمة منه فضل ، وكل نقمة منه عدل».
وقال عمران بن حصين لأبي الأسود الدؤلي : «أرأيت ما يكدح الناس اليوم
__________________
(١) راجع في تعريف الإلحاد هامش ص (١٨٥).
(٢) تقدم تخريجه وهو صحيح.