ويعلمون فيه؟ أشيء قضى عليهم ، ومضى من قدر قد سبق ؛ أو فيما يستقبلون فيما أتاهم به نبيهم فأخذت عليهم به الحجة؟ قال : فهلا يكون ذلك ظلما؟ قال : ففزعت من ذلك فزعا شديدا ، وقلت إنه ليس شيء إلا وهو خلق لله وملك يده ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فقال : سددك الله ؛ إني والله ما سألتك إلا لأحرز عقلك» (١) قالوا : ويكفي في هذا قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (الأنبياء : ٢٣) وقالوا ونحن نرى في الشاهد أن السيد إذا أمكن عبيده من الفساد وهو قادر على منعهم وكفهم عن ذلك فلم يفعل ، بل خلى بينهم وبين ذلك ومكنهم منه وأعانهم عليه ، وأعطاهم أسبابه ثم عاقبهم على ذلك كان ظالما لهم ، والله تعالى قد فعل ذلك بعبيده هو أعدل العادلين وليس بظلام للعبيد ؛ فعلمنا أن الظلم المنزه عنه هو المحال بذاته وأنه غير مقدور.
وأصحاب هذا القول إنما نزهوا الله عن المستحيل لذاته الّذي لا يتصور وجوده ، ومعلوم أن هذا التنزيه يشترك فيه كل أحد ، ولا يمدح به أحد أصلا فإنه لا مدح في كون الممدوح منزها عن الجمع بين النقيضين ، والله تعالى قد تمدح بعدم الظلم ، وأنه لا يريده ومحال أن يتمدح بكونه لا يريد الجمع بين النقيضين ، وأنه لا يريد قلب الحادث قديما ، ولا قلب القديم حادثا ، ولا جعل الشيء موجودا معدوما في آن واحد.
وأيضا فإنه سبحانه قال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طه : ١١٢) قال المفسرون من السلف والخلف قاطبة : الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره ، والهضم أن ينقص من حسنات ما عمل ، وعند الجبرية أن هذا لو وقع لم يكن ظلما ، ومن المعلوم أن الآية لم ترفع عنه خوف المحال لذاته ، وأنه لا يخاف الجمع بين النقيضين ، فإنه لا يخاف ذلك ، ولو أتى بكل كفر وإساءة ، فلا يجوز تحريف كلام الله بحمله على هذا. فإن الخوف من الشيء يستلزم تصور وجوده وإمكانه ، وما لا يمكن وجوده يستحيل خوفه. وأيضا فإنه لا يحسن أن ينفى الجمع بين الضدين في السياق الّذي نفي
__________________
(١) رواه مسلم (٢٦٥٠) مطولا ، والإمام أحمد (٤ / ٤٣٨) ، وغيرهما.