__________________
ـ وهذا معنى قول نبي الله هود (ع) : «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها» ثم قال :
«إن ربي على صراط مستقيم» : أى مع كونه مالكا قاهرا متصرفا في عباده نواصيهم بيده ، فهو على صراط مستقيم ، وهو العدل الّذي يتصرف به فيهم ، فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره وأمره ونهيه ، وثوابه وعقابه ، فخبره كله صدق وقضاؤه كله عدل ، وأمره كله مصلحة ، والّذي نهى عنه كله مفسدة ، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ، ورحمته وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته.
وفرق بين [الحكم ، والقضاء] وجعل المضاء للحكم ، والعدل للقضاء :
فإن حكمه سبحانه يتناول حكمه الديني الشرعي وحكمه الكونى القدرى ، والنوعان نافذان في العبد ، ماضيان فيه ، وهو مقهور تحت الحكمين ، قد مضيا فيه ، ونفذا فيه شاء أم أبى ، لكن الحكم الكوني لا يمكنه مخالفته ، وأما الدينى الشرعى فقد يخالفه ولما كان القضاء هو الإتمام والإكمال ، وذلك إنما يكون بعد مضيه ونفوذه.
قال : «عدل في قضاءك» أى الحكم الذي أكملته وأتممته ونفذته في عبدك عدل منك فيه وأما الحكم فهو ما يحكم به سبحانه ، وقد يشاء تنفيذه وقد لا ينفذه ، فإن كان حكما دينيا فهو ماض في العبد ، وإن كان كونيا فإن نفذه سبحانه مضى فيه ، وإن لم ينفذه اندفع عنه ، فهو سبحانه يمضى ما يقضى به وغيره قد يقضى بقضاء ويقدر أمرا ولا يستطيع تنفيذه ، وهو سبحانه يقضى ويمضى فله القضاء والإمضاء.
وقوله : «عدل في قضاؤك» يتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه :
«من صحة وسقم ، وغنى وفقر ، ولذة وألم ، وحياة وموت ، وعقوبة وتجاوز ، وغير ذلك قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى : ٣٠).
وقال سبحانه (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) (الشورى : ٤٨). فكل ما يقضى على العبد فهو عدل فيه.
فإن قيل : فالمعصية عندكم بقضائه وقدره! فما وجه العدل في قضائهما؟! فإن العقوبة عليها غير ظاهر؟!. قيل هذا سؤال له شأن ، ومن أجله زعمت طائفة أن العدل هو المقدور ، والظلم ممتنع لذاته ، قالوا : لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير والله سبحانه له كل شيء ، فلا يكون تصرفه في خلقه إلا عدلا.
وقالت طائفة : بل العدل أنه لا يعاقب على ما قضاه وقدره ، فلما حسن منه العقوبة على الذنب علم أنه ليس بقضائه وقدره ، فيكون العدل هو جزاؤه على الذنب بالعقوبة ـ