__________________
ـ والذم ، إما في الدنيا وإما في الآخرة ، وصعب على هؤلاء الجمع بين العدل وبين القدر ، فزعموا أن من أثبت القدر لم يمكنه أن يقول بالعدل ، ومن قال بالعدل لم يمكنه أن يقول بالقدر ، كما صعب عليهم الجمع بين التوحيد وإثبات الصفات ، فزعموا أنهم لا يمكنهم إثبات التوحيد إلا بإنكار الصفات ، فصار توحيدهم تعطيلا ، وعدلهم تكذيبا بالقدر.
وأما أهل السنة فهم مثبتون للأمرين ، والظلم عندهم هو وضع الشيء في غير موضعه كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له ، وهذا قد نزه الله نفسه عنه في غير موضع من كتابه وهو سبحانه وإن أضل من شاء ، وقضى بالمعصية والغي على من شاء ، فذلك محض العدل فيه ، لأنه وضع الإضلال والخذلان في موضعه اللائق به ، كيف ومن أسمائه الحسنى العدل الّذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق ، وهو سبحانه قد أوضح السبل وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح العلل ، ومكن من أسباب الهداية والطاعة بالأسماع والأبصار والعقول ، وهذا عدله ، ووفق من شاء بمزيد عناية ، وأراد من نفسه أن يعينه ويوفقه ، فهذا فضله ، وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله وخلىّ بينه وبين نفسه ، ولم يرد سبحانه من نفسه أن يوفقه فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله ، وهذا نوعان :
أحدهما ما يكون جزاء منه للعبد على إعراضه عنه ، وإيثار عدوه في الطاعة والموافقة عليه وتناسى ذكره وشكره ، فهو أهل أن يخذله ويتخلى عنه.
والثاني : أن لا يشاء له ذلك ابتداء لما يعلم منه أنه لا يعرف قدر نعمة الهداية ولا يشكره عليه ، ولا يثني عليه بها ، ولا يحبه فلا يشاؤها له لعدم صلاحية محله قال تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ، أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الانفال : ٥٣) وقال : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) (الانفال : ٢٣) فإذا قضى الله سبحانه على هذه النفوس بالضلال والمعصية كان ذلك محض العدل ، كما إذا قضى على الحية بأن تقتل ، وعلى العقرب وعلى الكلب العقور ، كان ذلك عدلا فيه وإن كان مخلوقا على هذه الصفة ، وقد استوفينا الكلام في هذا في كتابنا الكبير في القضاء والقدر ، والمقصود أن قوله صلىاللهعليهوسلم : ماض في حكمك ، عدل فى قضاؤك» : رد على الطائفتين القدرية : الذين ينكرون عموم أقضية الله في عبده ، ويخرجون أفعال العباد عن كونها بقضائه وقدره ، ويردون القضاء إلى الأمر والنهى. ـ