فعند أهل السنة الجميع قضاؤه والجميع عدل منه في عبده ، لا بمعنى كونه متصرفا فيه بمجرد القدرة والمشيئة ، بل بوضع القضاء في موضعه وإصابة محله ،
__________________
ـ وعلى الجبرية : الذين يقولون : كل مقدور عدل ، فلا يبقى لقوله «عدل في قضاؤك» فائدة ، فإن العدل عندهم كل ما يمكن فعله ، والظلم هو المحال لذاته ، فكأنه قال : ماض ونافذ في قضاؤك ، وهذا هو الأول بعينه.
وقوله : «أسألك بكل اسم» ... إلى آخره ، توسل إليه سبحانه بأسمائه ، ما علم العبد منها وما لم يعلم ، وهذه أحب الوسائل إليه فإنها وسيلة بصفاته وأفعاله التى هى مدلول أسمائه.
وقوله : «أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري» ، الربيع : المطر الّذي يحيى الأرض شبه القرآن به الحياة القلوب به ، وكذلك شبهه الله بالمطر ، وجميع بين الماء الّذي تحصل به الحياة والنور الّذي تحصل به الإضاءة والإشراق ، كما جمع بينهما سبحانه في قوله : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) (الرعد : ١٧). وفي قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) (البقرة ١٧) ثم قال : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (البقرة : ١٩) وفي قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ...) الآيات (النور : ١٧) ثم قال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) (النور : ٤٣).
فتضمن الدعاء أن يحيى قلبه بربيع القرآن ، وأن ينور به صدره ، فتجتمع له الحياة والنور ، قال تعالى (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ، وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (الأنعام : ١٢٢).
ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسرى منه إلى القلب لأنه قد حصل لما هو أوسع منه ، ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب تسرى الحياة منه إلى الصدر ، ثم إلى الجوارح ، سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها ، ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته ، سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فإنها أحرى أن لا تعود ، وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فإنها تعود بذهاب ذلك ، والمكروه الوارد على القلب إن كان من أمر ماض أحدث الحزن ، وإن كان في مستقبل أحدث الهم ، وإن كان من أمر حاضر أحدث الغم ، والله أعلم.