فكل ما قضاه على عبده فقد وضعه موضعه اللائق به وأصاب به محله الذي هو أولى به من غيره فلم يظلمه به (١).
أما العقوبات والمصائب فالأمر فيها ظاهر ، إذ هى عدل محض كما قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى : ٣٠).
وأما الآلام التى تصيب العبد بغير ذنب : كالآلام التى تنال غير المكلفين كالأطفال والمجانين والبهائم ، فقد خاض الناس في أسبابها وحكمها قديما وحديثا وتباينت طرقهم فيها بعد اتفاقهم على أنها عدل ، وإن اختلفوا في وجه كونها عدلا.
فالجبرية : تثبت ذلك على أصولها في أن كل واقع أو ممكن عدل.
والقدرية : جعلت وجه كونه عدلا وقوعها بسبب جرم سابق أو عوض لاحق ؛ ثم منهم من يعتبر مع ذلك أن يشتمل على غيره قالوا فوقوعها على وجه العقوبة بالجرم والتعويض بخروجها عن كونها ظلما. وبقصد العبرة تخرج كونها سفها.
__________________
(١) وقال الإمام عبد القاهر البغدادي : وقالوا (يعنى أهل السنة والجماعة) : الركن السادس وهو الكلام في عدل الإله سبحانه وحكمته إن الله سبحانه خالق الأجسام والأعراض خيرها وشرها ، وإنه خالق أكساب العباد ، ولا خالق غير الله.
وهذا خلاف قول من زعم من القدرية أن الله تعالى لم يخلق شيئا من أكساب العباد وخلاف قول الجهمية : إن العباد غير مكتسبين ولا قادرين على أكسابهم ، فمن زعم أن العباد خالقون لأكسابهم فهو قدرى مشرك بربه ، لدعواه أن العباد يخلقون مثل خلق الله من الأعراض التي هى الحركات والسكون فى العلوم والإرادات والأقوال والأصوات ، وقد قال الله عزوجل في ذم أصحاب هذا القول : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ؟! قُلِ : اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ).
ومن زعم أن العبد لا استطاعة له على الكسب وليس هو بفاعل ولا مكتسب فهو جبرى ، والعدل خارج عن الجبر والقدرة ، ومن قال : إن العبد مكتسب لعمله والله سبحانه خالق لكسبه ، فهو سنى عدلى منزه عن الجبر والقدر ا ه (الفرق بين الفرق) مختصرا.