وأفعاله على مستكرهات التأويل وما تحكم به عقولهم. هذا هو القائل «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك» (١) وهو القائل «ما بعث الله من نبى إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم» (٢) وقال أبو ذر : «لقد توفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما» (٣) وقال عمر بن الخطاب «قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقاما فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم ، وأهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه» ذكره البخاري (٤).
فكيف يتوهم من لله ورسوله في قلبه وقار أن يعتقد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أمسك عن بيان هذا الأمر العظيم ولم يتكلم فيه بالصواب؟ معاذ الله ، بل لا يتم الإيمان إلا بأن يعتقد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بيّن ذلك أتم البيان وأوضحه غاية الإيضاح ، ولم يدع بعده لقائل مقالا ولا لمتأول تأويلا.
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد (٤ / ١٢٦) ، وابن ماجه في «مقدمة السنن» (٤٣) ، والحاكم في «المستدرك» (١ / ٩٦) من حديث العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع ، فما ذا تعهد إلينا؟! قال : «قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ... الحديث» قال الشيخ الألباني : وهذا إسناد صحيح كلهم ثقات معروفون ، غير عبد الرحمن بن عمرو وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» ا ه. وانظر «السلسلة الصحيحة» له برقم (٩٣٧).
(٢) أخرجه مسلم (الإمارة / ١٨٤٤) والإمام أحمد (٢ / ١٦١ ، ١٩١) ، والنسائي (٧ / ١٥٣) ، وابن ماجه (٣٩٥٦) من حديث عبد الله بن عمرو.
(٣) ذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨ / ٢٦٣ ، ٢٦٤) من طريقين عن أبي ذر وأبي الدرداء قال في الأول : رواه أحمد والطبراني ، ورجال الطبرانى رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى وهو ثقة ، وفي إسناد أحمد من لم يسم ، وقال في الآخر : رواه الطبراني عن أبي الدرداء وقال : رجاله رجال الصحيح. ا ه.
(٤) أخرجه البخاري (٣١٩٢).