فكيف يجوز على من أخبر الله تعالى عنه بما ذكر أن يكون قد أخبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله بما الهدي في خلاف ظاهره والحق في إخراجه عن حقائقه وحمله على وحشى اللغات ومستكرهات التأويلات ، وأن حقائقه ضلال وتشبيه وإلحاد ، وأن الهدى والعلم في مجازه وإخراجه عن حقائقه؟ وأحال الأمة فيه على آراء الرجال المتحيرين وعقول المتهوكين ، فيقول : إذا أخبرتكم عن الله وصفاته العلى بشيء فلا تعتقدوا حقيقته ؛ وخذوا مرادي به من آراء الرجال ومعقولها ، فإن الهدى والعلم فيه؟
معاذ الله ، فإنه لو خرج عن ظاهره بتأويل المتأولين انتقضت عرى الإيمان كلها ، وكان لا تشاء طائفة من طوائف أهل الضلال أن تتأول النصوص على مذهبها إلا وجدت السبيل إليه.
(والمقصود) أن الله تعالى أكمل للرسول ولأمته به دينهم وأتم عليهم به نعمته ومحال مع هذا أن يدع ما خلق له الخلق وأرسلت به الرسل ، وأنزلت به الكتب ؛ ونصبت عليه القبلة ، وأسست عليه الملة ، وهو باب الإيمان به ومعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله ، ملتبسا مشتبها حقه بباطله ، لم يتكلم فيه بما هو الحق ، بل تكلم بما هو الباطل ، والحق في إخراجه عن ظاهره ، فكيف يكون أفضل الرسل وأجل الكتب غير واف بتعريف ذلك على أتم الوجود ، مبيّن له بأكمل البيان ، موضح له غاية الإيضاح ، مع شدة حاجة النفوس إلى معرفته ، وهو أفضل ما اكتسبته النفوس وأجل ما حصلته القلوب.
ومن المحال أن يكون صلىاللهعليهوسلم قد علمهم آداب الغائط ، قبله وبعده ومعه ، وآداب الوطء والطعام والشراب ، ويترك أن يعلمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم ومعبودهم الذي معرفته غاية المعارف ، والوصول إليه أتم المطالب ، وعبادته وحده لا شريك له أقرب الوسائل ، ويخبرهم بما ظاهره ضلال وإلحاد ، ويحيلهم في فهم ما أخبره به عن الله تعالى وأسمائه وصفاته