والإخلاص : خلوص القلب من تأله من سوى الله وإرادته ومحبته ، فخلص الله قلبه ، فلم يتمكن الشيطان من إغوائه. وأما إذا صادفه فارغا من ذلك تمكن منه بحسب فراغه وخلوه ، فيكون جعله مذنبا مسيئا في هذه الحال عقوبة على عدم هذا الإخلاص ؛ وهذا محض العدل.
فإن قلت : فذلك العدم من خلقه فيه قلت : هذا سؤال فاسد ، فإن العدم كاسمه لا يفتقر إلى تعلق التكوين والإحداث به. فإن عدم الفعل ليس أمرا وجوديا حتى يضاف إلى الفاعل ، بل هو شر محض والشر ليس إلى الرب تبارك وتعالى ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم في حديث الاستفتاح : «لبيك وسعديك والخير في يديك ، والشر ليس إليك» (١) وكذلك يقول النبي صلىاللهعليهوسلم في حديث الشفاعة يوم القيامة : «يقول الله تعالى : يا محمد فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك ، والشر ليس إليك» (٢) وقد أخبر تعالى أن تسليط الشيطان إنما هو على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (٣) فلما تولوه دون الله وأشركوه معه عوقبوا على
__________________
ـ وسر ذلك أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن ، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه ، كما إذا مال إلى غير محبة الله لم يبق فيه ميل إلى محبته ، فإذا نطق القلب بغير ذكره لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان ، ولهذا في «الصحيح» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه ، خير له من أن يمتلئ شعرا ، فبين أن الجوف يمتلئ بالشعر ، فكذلك يمتلئ بالشبه والشكوك والخيالات والتقديرات التى لا وجود لها ، والعلوم التي لا تنفع ، والمفاكهات والمضحكات والحكايات ونحوها. وإذا امتلأ القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الّذي به كماله وسعادته فلم تجد فراغا لها ولا قبولا فتعدته وجاوزته إلى محل سواه ، كما إذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من ضدها لا منفذ لها فيه فإنه لا يقبلها ولا تلج فيه لكن تمر مجتازة لا مستوطنة ولذلك قيل :
نزه فؤادك من سوانا تلقنا |
|
فجنابنا حل لكل منزه |
والصبر طلسم لكنز وصالنا |
|
من حل ذا الطلسم فاز بكنزه |
(١) رواه مسلم (٧٧١).
(٢) رواه البخاري (٤٤٧٦).
(٣) وذلك في قوله تعالى : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل : ١٠٠).