يكفر. وتكون قوة القلب كلها ، وقوة الإنابة والتوكل ، والخشية والمراقبة والخوف والرجاء ، جميعها متوجهة إليه ومتعلقة به ، بحيث يكون القلب عاكفا على محبته وتألهه ، بل على إفراده بذلك ، واللسان محبوسا على ذكره ، والجوارح وقفا على طاعته. وقد استسلمت له القلوب أتم استسلام ، وذلت له أكمل ذل ، وخضعت له أعظم (خضوع) ، وقد فنيت بمراده ومحابه عن مرادها ومحابها ، فلم يكن لها مراد محبوب غير مراده ومحبوبه البتة.
ولا ريب أن هذا مقدور في الجملة ولكن النفوس تشح به ؛ وهى في الشح على مراتب لا يحصيها إلا الله تعالى ، وأكثر المطيعين يشح به من وجه وإن أتى به من وجه ولعل ما لا تسمح به نفسه أكثر مما تسمح به مع فضل زهده وعبادته وعلمه وورعه. فأين الّذي لا يقع منه إرادة تزاحم إرادة الله وما يحبه منه ، فلا يعتريه غفلة واسترسال مع حكم الطبيعة والميل إلى داعيها ، وتقصير في حق الله تعالى معرفة ومراعاة وقياما به؟ ومن الذي ينظر في كل نعمة من النعم دقيقها وجليلها إلى أنها منة ربه وفضله وإحسانه ، فيذكره بها ويحبه عليها ، يشكره عليها ، ويستعين بها على طاعته ، ويعترف مع ذلك بقصوره ، وأن حق الله تعالى عليه أعظم مما أتى به ، ومن الّذي يوفى حقا واحدا من الحقوق وعبودية واحدة حقها من الإجلال والتعظيم والنصح لله تعالى فيها ، وبذل الجهد في وقوعها على ما ينبغى لوجهه الكريم مما يدخله على قدرة العبد ظاهرا وباطنا؟ ومع هذا فيراها محض منة الله عليه وفضله عليه ، وأن ربه هو المستحق عليها الحمد ، وأنه لا وسيلة توسل بها إلى ربه حتى نالها ؛ وأنه يقابلها بما تستحق أن تقابل به من كمال الذل والخضوع والمحبة ، والبراءة من حوله وقوته ، وبمحو نفسه من البين ؛ وأن يكون فيها بالله لا بنفسه ولله لا لنفسه؟ ومن الذي لم يصدر منه خلاف ما خلق له ولو في وقت من الأوقات من حركة نفسه وجوارحه ، أو يترك بعض ما خلق ؛ أو يؤثر بعض حظوظه ومراده على مراد الله ومرضاته ويزاحمه به.
ومن المعلوم عقلا وشرعا وفطرة أن الله تعالى يستحق على عبده غاية التعظيم