المعارضة والامتحان وحينئذ يتبين الصادق من الكاذب. قال تعالى : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (العنكبوت : ١ ـ ٣) ، وقال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران : ١٤٢) ، وقال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) (البقرة : ٢١٤) ، فالجنة لا ينالها المكلفون إلا بالجهاد والصبر ، فخلق الشياطين وأوليائهم وجندهم من أعظم النعم في حق المؤمنين. فإنهم بسبب وجودهم صاروا مجاهدين في سبيل الله ويحبون لله ويبغضون لله ، يوالون فيه ويعادون فيه ، ولا تكمل نفس العبد ولا يصلح لها الزكاة والفلاح إلا بذلك. وفي التوراة : إن الله تعالى قال لموسى «اذهب إلى فرعون فإني سأقسى قلبه لتظهر آياتى وعجائبي ويتحدث بها جيلا بعد جيل».
وتكذيب المشركين لمحمد صلىاللهعليهوسلم (وسعيهم) في إبطال دعوته ومحاربته كانت من أعظم النعم عليه وعلى أمته ، وإن كان من أعظم النقم على الكافرين ، فكم حصل في ضمن هذه المعاداة والمحاربة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه ولأمته من نعمة ، وكم رفعت بها درجة؟ وكم قامت بها لدعوته من حجة وكم أعقب ذلك من نعيم مقيم وسرور دائم ، ولله كم من فرحة وقرة عين في مغايظة العدو وكبته؟ فما طاب العيش إلا بذلك ، فمعظم اللذة في غيظ عدوك ، فمن أعظم نعم الله على عباده المؤمنين أن خلق لهم مثل هذا العدو ، وأن القلوب المشرقة بنور الإيمان والمعرفة لتعلم أن النعمة بخلق هذا العدو ليست بدون النعمة بخلق أسباب اللذة والنعمة ، فليست بأدنى النعمتين عليهم ، وإن كانت مقصودة لغيرها. فإن الّذي يترتب (على ذلك) من الخير المقصود لذاته أنفع وأفضل وأجل من فواته.
فإن قيل : إذا كان خلق إبليس وجنوده من أعظم النعم على المؤمنين ؛ فأى حكمة ومصلحة حصلت لهؤلاء بخلقهم؟ فكيف اقتضت الحكمة أن خلقهم